الأربعاء، أغسطس 03، 2016

جائزة "أوسمان صبري" للصداقة بين الشعوب تعود، هذه السنة، للكاتبة الأمازيغية مليكة مزان


 تأسست جائزة أوسمان صبري للصداقة بين الشعوب عام 1998 من طرف مجموعة من الأدباء والمثقفين الكورد في غرب كردستان،  ومنذ ذلك الحين حاز على الجائزة ثلاثة من أصدقاء الكورد، هم على التوالي :
- عالم الإجتماع التركي إسماعيل بشكجي
- سيدة فرنسا الأولى سابقأ المرحومة دانيال ميتران.
- أستاذ القانون العراقي الدكتور منذر الفضل .
 أما في هذه الدورة الرابعة، ولأن أعضاء اللجنة مشتتون بين الوطن والمهجر فقد تناقشوا بواسطة الماسنجر مقترح زميلهم حيدر عمر الذي رشح الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان ، وتوافقوا على تأييد المقترح وقبوله. كان قرار اللجنة في الأساس أن يتم تكريم أحد أصدقاء الكورد كل ثلاثة أعوام، ولكن للأسف الشديد، ولأسباب مالية ولمأساة الشعب السوري التي مازالت مستمرة منذ ست سنوات، فقد تأخر تعيين صديق الشعب الكوردي الذي سيكرم في الدورة الرابعة للجائزة.
من دواعي اختيار مليكة مزان كونها صديقة كبيرة لشعبنا معروفة بمواقفها وتصريحاتها، مما جاء في إحدى تلك التصريحات قولها متحسرة:
"لو كنت مازلت في ريعان شبابي، وبكل قواي الجسدية، لكنت انضممت دون تردد إلى صفوف المقاتلات الكورديات.
ولأن الحال ليست كذلك، فأنا أكتفي بالكتابة الصارخة الفاضحة لكل أشكال الهمجية التي تمارس على كامل الشعب الكوردي''.
كما أن مليكة مزان لا تنسى أن تحمل الضمير العالمي مسؤولية الدفاع عن الشعب الكوردي حين تقول :
''إذا كان هناك شعب على الضمير العالمي أن يقف إلى جانبه حتى تحقيق كل مطالبه فهو الشعب الكوردي ".
أما حين تخاطب مليكة مزان الأمة الكوردية فإنها تقول :
'' رفيقة شعبي الأمازيغي على درب الرفض ، شريكته في أمجاد النضال والمقاومة ،
أيتها الأمة الكوردية العريقة بقدر عمر الأرض!
أيتها الطيبة بقدر رحابة كل فن جميل وحب.
أيتها المترفعة عن استجداء خيرات النور والكرامة من أسواق الظلم شرقأ وغربأ.. تحية راقية بوجودك وصمودك أيتها الأمة ! ''.
مليكة مزان شاعرة ومناضلة، ولكونها أمرأة تعرف قيمة نضال المرأة الكوردية وتقدره فإنها تقول:
"المرأة الكوردية تواجه الآن أشرس قوى الهمجية والعدوان... أشكر النساء الكورديات على نضالهن وشجاعتهن وتضحياتهن، وأعبر لهن جميعأ عن خجلي من صغر قامتي أمام قاماتهن النضالية الفارهة .
مثلما لفتت هذه المواقف انتباه كل الشعب الكوردي لفتت انتباه اللجنة أيضأ . إن مليكة مزان هي المرأة الأولى بين الأدباء والشعراء في كل دول الجوار، والشرق الأوسط ، تتخذ هذا الموقف المساند للشعب الكوردي الذي يواجه أعتى قوى الظلام .. داعش وأخواتها ، كما تدافع عن حق العالم كله في الأمان والسلام. وهي في الوقت نفسه تعرب بقناعة تامة، عن مساندتها للشعب الكوردي ووقوفها إلى جانبه إلى أن يحقق استقلاله ويبني دولته.
لهذه المواقف النبيلة وقع الاختيار على السيدة مليكة مزان لتقليدها جائزة شاعرنا المناضل أوسمان صبري.
أما مراسيم التقليد فستتم في ألمانيا في موعد سيعلن عنه في وقت لاحق.
--------
السيد حيدر عمر عن لجنة جائزة  أوسمان صبري للصداقة بين الشعوب .
حرر بألمانيا في 16/6/2016.

الثلاثاء، ديسمبر 08، 2015

مليكة مزان: على حكومات الجوار أن تتخذ من إسرائيل قدوة لها كلما تعلق الأمر ببناء دولة الحق والقانون ومجتمع التعدد والتسامح


(حوار أنجزه لصالح المجلة الإسرائيلية الشهيرة "ميدا" الصحافي Ronny Shalom محرر إخباري ومحلل سياسي في شؤون إسرائيل و"العالم العربي")

تقديم:

مليكة مزان شاعرة وروائية مغربية معروفة تميزت بدفاعها عن حقوق الأمازيغ كسكان أصليين لشمال أفريقيا منذ آلاف السنين في وجه الاحتلال العربي الإسلامي الذي ما يزال، وبكل ما يملك من وحشية وهمجية، يخطط لاجتياح عدد من مناطق لعالم.

تواصلنا مع مليكة عبر صفحتها على الفيسبوك التي تجذب حاليا أكثر من 50 ألف معجب، يتابعون يوميًا منشوراتها التي تحمل في سطورها الكثير من الغرابة والإثارة لدرجة باتت استفزازًا قوياً لكثيرين من العروبيين والإسلاميين والمحافظين.

نشكر مليكة على موافقتها على إجراء هذا الحوار مع مجلتنا حتى يطلع قراؤها الإسرائيليون على مزيد من آرائها ومواقفها المثيرة للجدل.

نص الحوار:

ـ س: في سياق تحديد هويتك، هناك مجموعة من المصطلحات بالإمكان استخدامها مثل شاعرة مغربية، مفكرة علمانية، ناشطة أمازيغية، ما المصطلح الذي يأتي في سلم أولويات تحديد هوية مليكة مزان؟

ـ ج: ليس هناك أولويات بهذا الصدد، إعطاء أولوية لمصطلح دون غيره من شأنه أن يعطي صورة ناقصة عن إيمان مني شديد وراسخ بضرورة بالخوض في مجالات متعددة وبأساليب مختلفة ولهدف واحد: محاربة الفكر الهمجي حيثما كان ومهما كانت مرجعيته.

ـ س: كأديبة أمازيغية علمانية تكتب كلماتها بالعربية، وكناشطة حقوقية وجمعوية من أجل شعبك الأمازيغي ومن أجل حقوق المرأة، ما هي المشاكل الأساسية التي تعترض النساء في المجتمع المغربي اليوم، والأمازيغيات بشكل خاص؟

ـ ج: المشكل الأول والأساسي الذي يحول دون تحرر المرأة المغربية هو للأسف صعوبة القضاء على ما يزال يمارس في حقها حتى الآن من كل أنواع العنف المادي والرمزي. هذا العنف سببه سيادة الفكر الذكوري الذي لا يهدأ له بال إلا إذا أفشل للمرأة كل تطلع منها طبيعي ومشروع إلى آفاق حياتية أفضل، ليبقى صون كرامة المرأة المغربية وضمان تحررها، كأيما امرأة أخرى في العالم، مرتبطاً بمدى قدرتها على مواصلة الصمود والمقاومة في وجه هذا الفكر الذكوري الهمجي.

ـ س: ألا يعتبر استخدامك للغة العربية في كتاباتك وأشعارك مناقضاً بعض الشيء لمناهضتك للهوية العربية؟ وهل بإمكانك أن تشرحي لنا موقفك من هذه الهوية بشكل عام؟

ـ ج: استخدامي للغة العربية لم يكن أمراً اختيارياً، بل جاء في سياق الإبادة الثقافية التي تنهجها الدولة المغربية ذات المرجعية العربية الإسلامية في حق لغتنا الأمازيغية التي حرمنا من تعلمها وإتقانها لتصير لنا لغة تفكير وإبداع. كما أن هذا الاستخدام ليس مناقضاً في شيء لمناهضتي للهوية العربية بل هو (على العكس تماما من ذلك) وسيلة أثبتت نجاحها في التعبير عن مناهضتي لتلك الهوية. وهي مناهضة تنبني على حقيقة أن هذه الهوية لا صلة لها بالأرض والشعب المغربيين، بل مجرد هوية دخيلة مفروضة على شعبنا بقوة السلطة السياسية والدينية التي تتمركز في يد الأقلية العربية الحاكمة، ومن ثم ليس لها أن تكون وطنية ولا رسمية في بلد أمازيغي كالمغرب.

ـ س: تعرف منشوراتك بصراحتها وبانتقادها المستفز للمحيط العربي الإسلامي المحافظ، هل تعرضتِ لمحاولات اعتداء أو تهديد بالقتل، إذا كان الجواب بنعم، فمن أية جهة وصلتك تلك التهديدات؟

ـ ج: على مدى سنوات طويلة ومنشوراتي تثير غضب كثيرين وتدفعهم إلى تهديدي بكل ما يظنون أنه كفيل بردعي عن مواصلة نضالي من أجل مجتمع إنساني حر ومتسامح، وآخر تهديد كان من طرف خلية إرهابية كشفت الاستخبارات المغربية مؤخراً عن كونها كانت تنوي تصفية عدد من المثقفين المغاربة على رأسهم المفكر الأمازيغي أحمد عصيد وشخصي المتواضع وزعيم حزب سياسي يساري كبير.

ـ س: من المعروف أن شعوباً كثيرة خضعت للاحتلال الإسلامي العربي، وقسم كبير منها اضطر لاعتناق الإسلام كدين له، لكن دون أن يتبنى اللغة والهوية العربيتين، كالفرس مثلاً والأتراك، ما وضع الأمازيغ بالنسبة لهؤلاء؟ هل تم الحفاظ على الهوية واللغة الأمازيغية؟

ـ ج: بالإضافة إلى ما فرضته الأقلية العربية الحاكمة من تعريب في حق بلدنا وشعبنا المغربيين فقد ساهم الأمازيغ أنفسهم في نجاح سياسة التعريب بما أسرعوا إليه من تبن لهوية العرب ولغتهم على أساس أن هويتهم الأصلية هي هوية جاهلية ووثنية، وأن لغتهم الأم هي لغة تخلف وهمجية، كيف لا يسرعون إلى ذلك وقد انطلت عليه أكاذيب العرب الذين يقدمون لغتهم على أنها لغة الجنة والسماء وثقافتهم على أنها ثقافة كل تقوى وهدى وخلاص؟ بل بلغت سذاجة الإيمان بالأمازيغ حد انخراط كثيرين منهم عبر التاريخ في كثير من العمليات الجهادية الإرهابية طمعاً منهم في إرضاء النزعات المرضية للعرب أو في نيل تلك الجنة الرديئة التي يوعد بها الغزاة والجهاديون.

ـ س: هل فكرة إقامة دولة أمازيغية مستقلة لم تعد موجودة؟

ـ ج: تحرر الأمازيغ من كل تبعية سياسية وثقافية بهدف إقامة دولة أمازيغية مستقلة أمر صعب على أساس أن الأغلبية العظمى من الأمازيغ لا يملكون من الوعي ولا من الشجاعة ما يكفي للتنكر للإيديولوجية العربية الإسلامية التي هي الأصل في كل تبعية يعانون من ويلاتها حتى الآن، لكني أبقى متفائلة على أساس أن مستقبل الشعوب يفاجئنا دائماً بما لم نكن نتوقع من أساليب التحرك ولا من مستويات النزوع نحو كل تحرر.

ـ س: من كان وراء قرار الحكومة بحظر عقد مؤتمر لتأسيس حزب أمازيغي جديد هو Tamagit d Usnulf الشهر الماضي؟ هل هذه الخطوة، بالإضافة إلى قرارات سابقة بحل الأحزاب الأمازيغية، تدفع الأمازيغ إلى الشعور بأن الدولة تعمل على التضييق عليهم، وهل برأيك تخاف الدولة المغربية من إقامة "دولة داخل دولة"؟

ـ ج: ليس هناك ما يخيف النظام المغربي (بعد التهديدات الإرهابية) مثل تطلع الأمازيغ إلى مزيد من التحرر، لذا، ووعياً منه بخطورة هذا التطلع على المصالح الحيوية للتواجد العربي الإسلامي على أراضينا، نرى هذا النظام ما يزال يعمل كل ما في وسعه لإبقاء الأمازيغ تحت وصايته الجهنمية، فيقوم، مثلاً، بمنع تأسيس أحزاب أمازيغية مبرراً ذاك المنع بمقتضى قانون الأحزاب الذي لا يسمح بتأسيس أي منها سواء على أساس ديني أو أساس عرقي، لكنه في الواقع قانون يكيل بمكيالين على اعتبار أن كل ما في الساحة السياسية المغربية من أحزاب نشطة حتى الآن هي أحزاب تستند على أحد تلك الأسس، وهي أحزاب ذات مرجعية عربية أو إسلامية أو هما معا، وهذا من شأنه أن يرفع من درجة إحساس الأمازيغ بالتضييق عليهم، ومن ثم أن يدفعهم مستقبلاً إلى إعلان مزيد من الغضب والعصيان، وبهذه المناسبة يسعدني هنا أن أعبر لدولة إسرائيل عن اعتزازي الكبير بها دولةً تثبت ممارساتها اليومية بأنها فعلاً دولة الحقوق والحريات، كما هي دولة التعدد والتسامح، دولة سيشرف حكومات دول الجوار التي ابتليت بها مناطقنا في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تكون لها أجمل قدوة.

ـ س: نلاحظ، من خلال منشوراتك، أن الشعب الأمازيغي يتعاطف مع الشعب الكوردي الطامح إلى إقامة دولة مستقلة له، ما هي نقاط التلاقي والتشابه بين النضال الكوردي والأمازيغي؟

ـ ج: لأن المد العربي الإسلامي هو العدو المشترك ما بيننا كأمازيغ وما بين أشقائنا الكورد، بل وما بيننا وبين أشقائنا الإسرائيليين أيضاً فنضال شعوبنا بدوره يجب أن يكون مشتركاً، ولعل من أهداف نضالنا المشترك هذا أن نشكل جبهة موحدة قوية للحد من الهيمنة العربية الإسلامية على حقنا في الوجود، بأن نجعل دعاة هذه الهيمنة يدركون، أكثر من أي وقت مضى، بأن خطاباتهم الدينية والسياسية التي كانوا يغسلون بها أدمغتنا كشعوب أصلية، ويحتالون بها على الرأي العام الإقليمي والدولي حتى يتعاطف الكل مع قضاياهم الزائفة لن تنجح اليوم، كما نجحت بالأمس، في جعلنا ننسى قضايانا الحقيقية لنصير خداماً مخلصين لقضاياهم، بل خداماً يتناحرون فيما بينهم إرضاء للنزوات الوحشية للعرب والمسلمين.

ـ س: تعُتبرين من النقاد الشرسين للعرب، ففي إحدى منشوراتك وصفت العرب بالعنصريين وبالمحتلين، من تقصدين بذلك؟

ـ ج: للأسف كل العرب، وحتى قبل مجيء الإسلام، قوم يغلب عليهم الاعتزاز بالذات على حساب ذوات الآخرين، هذا الاعتزاز المبالغ فيه هو الأصل في ثقافتهم الهمجية وفي نزعاتهم الاستعمارية، وإن كنت سأستثني أحداً هنا من صفة العنصري فلن يكون سوى تلك الفئة من العرب التي تحترم حق الآخرين في الوجود بعيداً عن أي هيمنة أجنبية.

ـ س: هل تعتقدين أن هناك أوجه شبه بين السلطات المغربية والسلطات الفلسطينية لكونهما ممثلتين للسياسات العربية بوجه عام من خلال النزوع إلى السيطرة على أراضي الشعوب الأصلية بتعريبها وأسلمتها؟

ـ ج: المشروع العربي الإسلامي مشروع استيطاني مجرم، وهو هو حيثما حط رحاله. إن كان هناك عرب يحملون هذا المشروع في منطقة ما ذكروك بالضرورة، ومن خلال سلوكاتهم ومخططاتهم، بعرب آخرين في مناطق أخرى، لا عجب إذاً إن لم يكن هناك فرق يذكر ما بين عرب المغرب وعرب المشرق، ما بين السلطة المغربية والسلطة الفلسطينية: كلاهما قاطع طريق ممتاز، ونصاب محتال لا يتورع في استعمال كل الوسائل لتنفيذ مخططاته الاستيطانية الإجرامية.

ـ س: هناك جهات في المغرب مؤيدة للفلسطينيين تهاب التقارب الإسرائيلي/المغربي، واليهودي/ الأمازيغي بشكل خاص. مما يخاف هؤلاء المؤيدون لما يسمى بالقضية الفلسطينية برأيك، ولماذا يريدون فرض مواقفهم على مجمل الشعب؟ وهل هم مدعمون من قبل الحكومة؟
ـ ج: حكومتنا باعتبار توجهاتها العروبية الإسلامية لا يمكن لها إلا أن تدعم هؤلاء العنصريين الإرهابيين، بل إن الدولة المغربية بكل مؤسساتها تعمل (موازاة مع ذلك) على محاولة إبقاء شعبنا الأمازيغي خادماً أميناً لقضايا العرب وعلى رأسها ما يسمى بالقضية الفلسطينية، وذلك بأن تحول بينه وبين أن يسترجع وعيه الحقيقي، ذاك الوعي الذي معه ستتغير اختيارات بلدنا وأولوياتها، كما ستضيع معه كل مصالح العرب على أراضينا إلى الأبد. ولعل هذا المصير العربي الإسلامي المؤسف المرعب بالنسبة لهؤلاء هو ما يجعلهم جميعاً، وبكل ما يتقنونه من أساليب الخبث والمكر، يتحركون في كل اتجاه لإقناع المغاربة بأن إسرائيل عدوهم الأول، وبأن أية محاولة للتطبيع معها جريمة كبرى في حق الوطن، بل وفي حق المجتمع الإنساني قاطبة.


مليكة مزان : كل أجزاء بلادي يسكنني حبها ولا أنحاز إلى منطقة دون غيرها

(حوار أجراه الصحافي " علي باعراب " لصالح موقع تنجداد 24)

نص الحوار:

ـ س: ماذا تعرف الأستاذة مليكة مزان عن الجنوب الشرقي للمغرب؟

ـ ج: هو جزء لا يتجزأ من مغربنا الأمازيغي، لكنه للأسف جزء مضروب عليه الحصار من طرف الإعلام العربي العنصري، لذا لا يعرف عنه الكثيرون إلا القليل. ننتظر جميعا من أبناء المنطقة الغيورين أن يسمعوا صوت هذا الجزء إلى الضمير الوطني والعالمي أكثر مما يفعلون.

ـ س: كيف ترى التهميش الذي تعاني منه هذه المنطقة المعزولة؟

ـ ج: هو ظلم صريح في حق أبناء المنطقة، وظلم في حق كل الوطن وكل الشعب. أتمنى مع سياسة الجهوية الموسعة في تدبير الشأن المحلي أن يجد السكان فرصة جميلة لتسيير شؤونهم وإيجاد المناسب من الحلول لمختلف مشاكلهم.

ـ س: كيف يمكن لمليكة مزان أن تثبت مصداقيتها في الحديث عن الأمازيغ بقدم الأطلس الكبير؟

ـ ج: كل أجزاء بلادي المغرب يسكنني حبها وتحركني الغيرة على هويتها ومصالح سكانها ومصيرها، ولا أنحاز إلى منطقة دون غيرها، إلا أني بسبب بعد المسافات وقلة التواصل بيني وبين أبناء المنطقة لا ألتفت إلى هذا الجزء بشكل خاص، ولعل ذلك يعود أيضا إلى أن قضاياه المعقدة تتجاوزني كشاعرة ترى نفسها عاجزة عن كسبها أمام اللوبي السياسي والاقتصادي الذي يمتص دماءها مصا في تجاهل تام لأوجاع الساكنة بل واحتجاجاتها المتواصلة.

ـ س: هل هناك محاولات إجرائية لزيارة هذه المناطق؟

ـ ج: لو أن أبناء المنطقة أرسلوا إلي بدعوة خاصة لزيارة المنطقة، فأكيد أني لن أرفضها أبدا، كما أن زيارتها بدعوة رسمية ستكون لها أصداء وأبعاد أخرى غير ذاك البعد السياحي الشخصي لأية زيارة قد أقوم بها من تلقاء نفسي.

ـ س: يقال أن الأستاذة مليكة ستتفرغ للعمل الجمعوي وتغيب عن أجواء الصدامات في الرباط وفي غيرها، فهل هذا صحيح؟

ـ ج: هو خبر صحيح على أساس أن حالتي الصحية لم تعد تسمح لي بالخروج إلى الشارع لمشاركة الجماهير الأمازيغية احتجاجاتها المشروعة، وقد رأيت في مواصلة الكتابة وما كنت قد انخرطت فيه من عمل خيري جمعوي شكلا محترما من أشكال نضالي في سبيل كرامة وحرية هذا الشعب.

ـ س: أليست هناك نوايا متميزة للعودة لمعانقة مشاكل الوطن والناس؟

ـ ج: بل السؤال هو: كيف يمكن الحديث عن أي عودة وأنا في الواقع لا أستطيع الغياب تماما ما دمت هذه المرأة الأمازيغية المسكونة دائما بهموم الشعب والوطن؟

ـ س: إلى أي حد يعتبر الأمازيغ في مناطق الجنوب الشرقي مساندين للمناضلة مليكة؟

ـ ج: يحصل من حين لآخر أن أتوصل برسائل من بعض الشباب الغيور والواعي من أبناء المنطقة، في تلك الرسائل أجد احتراما كبيرا لشخصي، وفهما جميلا لحقيقة نواياي، واعترافا بصدق غيرتي الوطنية والقومية.

غير أني أمام دعم وتشجيع وثقة هؤلاء أجدني أخجل من عجزي عن تقديم أي دعم حقيقي ملموس لمنطقتهم، ذاك أن مثل هذا الدعم يحتاج في نظري إلى إمكانيات مادية هائلة أو على الأقل إلى منصب سياسي، فكيف أدعمهم إذاً وأغلب سكان المنطقة إما غير واعين إطلاقا بأهمية العمل السياسي، وإما فقط عازفين عنه بسبب كونهم، (لكثرة ما خيب آمالهم كثير من رجال السياسة) لا يستطيعون الثقة حتى في من أثبت نضاله أنه أهل لتلك الثقة؟

ـ س: الكثيرون من عديمي الفهم أو الضمير يتهمون الأستاذة مليكة ويرمونها بالفسق وما إلى ذلك من الإلحاد والفجور، هل تنوي مليكة مزان تغيير نظرة هؤلاء إليها؟

ـ ج: لقد أسميتهم أنت (وكثيرون غيرك قبلك) بأنهم من عديمي الفهم والضمير، فإذا كانوا كذلك (وهم بالفعل كذلك) فلا يمكنني إلا تجاهلهم والترفع عن إساءاتهم، ذاك أني لو جعلت همي أن أساعدهم على فهمٍ هم أصلا لا يريدونه فلن أفعل شيئا سوى إضاعة وقتي بدل الانصراف إلى القيام بإنجازات أخرى أهم. عامة لا يهمني رأي العابرين لهذه اللحظة الزمنية ولا لهذا المكان، بل ما يهمني أساساً هو رأي التاريخ. وأنا على يقين من أن الأجيال اللاحقة ستنصفني في كل ما ظُلمت فيه أيما ظلم.





مليكة مزان : الشعب الكوردي يعرف كيف يقدر كل من يتعاطف معه


 (حوار مع الصحافي "زيدان صبحي" لصالح مجلة (خلك) الكوردية)

نص الحوار :

ـ س: من هي مليكة مزان التي صارت محبوبة الكورد في وقت قصير، وما هو سر هذا الحب بينك وبين الشعب الكوردي؟

ـ ج: في سؤالك جواب ضمني وهو كاف جدا ليعرف القراء من هي مليكة مزان، لذا سأقول أن مليكة مزان هي محبوبة الشعب الكوردي، وأما السر في هذا التقارب الوجداني بيني وبين الشعب الكوردي فذلك راجع إلى أن الشعب الكوردي يعرف كيف يقدر كل من يتعاطف معه بمناسبة أي محنة يمر بها بأن يبادله نفس المشاعر.

ـ س: دائما في منشوراتك تتحدثين عن رجال ونساء الكورد خصوصاً المقاتلات والمقاتلين. هل هذا يدل على أنك تتمنين لو أنك تقاتلين يوما من أجل شعبك الأمازيغي؟

ـ ج: من طبيعتي، وأنا أدافع عن حق شعبي الأمازيغي في الحرية والكرامة، أن أميل دائما إلى الحوار وأن أنبذ العنف، ولكن إن لاحظت أن تمتع هذا الشعب بكامل حقوقه في فترة ما يستوجب سلوك أسلوب آخر فلن أتأخر عن حمل السلاح أو التحريض عليه. إنه في الكفاح ضد القهر والظلم تحول مشروع عرفه تاريخ كثير من الشعوب التي يئست من إمكان تفهم مضطهديها لمطالبها المشروعة، وإن كان من لوم لا بد من وقوعه بصدد هكذا تحول فإنه يقع بالدرجة الأولى على أعداء تلك الشعوب.

ـ س: هل أنت مستعدة للذهاب إلى صفوف المقاتلات الكورديات مثل كثير من النساء الأجنبيات اللواتي انضممن إلي وحدات حماية المرأة الكوردية؟

ـ ج: لو كنت ما زلت في ريعان شبابي وبكامل قواي الجسدية لكنت انضممت دون تردد، ولأن الحال ليست كذلك فأنا أكتفي بالكتابة الصارخة الفاضحة لكل أشكال الهمجية التي تمارس على كامل الشعب الكوردي وليس على نسائه فقط.

ـ س: هل تعتقدين أن الشعب الكوردي ضحية الديانة الإسلامية أكثر من أي شيء آخر، خصوصا وأن أربع دول إسلامية مثل تركيا والعراق وإيران و سوريا هي من مارست الظلم على الشعب الكوردي على مدى تاريخه الطويل؟

ـ ج: الشعب الكوردي هو ضحية الأطماع الترابية والمصالح الاقتصادية لتلك الدول، ولكنه يبقى ضحية الثقافة الإسلامية بالدرجة الأولى على أساس أن تلك الثقافة (والتي ليست الديانة الإسلامية إلا أحد تجلياتها) هي الغطاء "الجميل" الذي يخفي تحته بشاعة تلك الأطماع ، بل ويبرر كل الجرائم التي ارتكبت في حق الكورد حتى الآن.

ـ س: بعد تعرفك على الشعب الكوردي، هل تريدين أن تزوري كوردستان العراق أو أى جزء آخر من كوردستان، وهل لديك هكذا مشاريع في المستقبل؟

ـ ج: أحيانا أفكر في أن أفاجئ الكورد بزيارة غير متوقعة لكوردستانهم الجميلة، أي دون أن أنتظر حتى أتلقى دعوة رسمية منهم، لكن سرعان ما أتراجع عن الفكرة تاركة للشعب الكوردي حرية تفعيلها أو نسيانها بالكامل.

ـ س: من قبل كنت قد أعلنت ممارسة جهاد النكاح مع الجنود الكورد، ثم بعد ذلك اعتذرت عن ذلك، فما هو السبب؟

ـ ج: من الجنون أن يصدق أي إنسان أني كنت جادة في "دعوتي" إلى ممارسة أي جهاد للنكاح حقيقي وميداني مع الجنود الكورد، الجنود الكورد أشرف من أن يفكروا في تلبية شهوات محض حيوانية في الوقت الذي يقدمون فيه أرواحهم الغالية ثمنا لما يحلمون به من انتصار للقيم الإنسانية والأخلاقية الرفيعة. إعلاني عما أطلقت عليه مصطلح" جهاد النكاح المضاد" كان فقط أسلوبا من أساليبي الماكرة للسخرية من الفكر الجهادي المهووس بإشباع الشهوات الوضيعة ليس إلا، هذا في الوقت الذي يزعم فيه هذا الفكر أنه يشن كل تلك الهجومات الشرسة على شعوب الله المطمئنة فقط لأن هدفه الوحيد هو الانتصار لقيم الحق والخير والجمال.

ـ س: برأيك ما هي الوسيلة الأسهل كي يعلن الشعب الكوردي عن دولته المستقلة؟

ـ ج: إن الإعلان عن قيام دولة كوردية مستقلة في وسط عربي إسلامي لا يكن لكرامة الإنسان والشعوب سوى العداء الشديد ليس من الأحلام السهلة ، وأما الوسيلة "الأسهل" لتحقيق هكذا حلم فأعتقد أن الشعب الكوردي اختار بنفسه تلك الوسيلة وهي انضمامه الجميل إلى صف المجتمع الدولي الذي جعل من التصدي للإرهاب أحد شعاراته التاريخية الملحة ، بالإضافة إلى تلك الوسيلة التي لطالما عرفت عن الشعب الكوردي وهي إصراره الخالد على ضرورة تحقيق كل الطموحات الكوردية المشروعة مهما طال الزمن أو تناسلت العقبات. ويبقى أن ليس هناك من وسيلة أسهل ، فبقدر ما تكون الطموحات كبيرة بقدر ما يستلزم تحقيقها وسائل أكبر بل وأصعب .



مليكة مزان : أخجل من صغر قامتي النضالية أمام نضال النساء الكورديات

(حوار أجرته أفين أحمد صحافية بـ "شبكة الإعلام الكوردستاني" / إقليم كوردستان العراق)

مقدمة الحوار :

سيدتى.. يشرفنا في "شبكة الإعلام الكوردستاني" أن نجرى حوارا صحفيا مع حضرتك حول كل ما يتعلق بمواقفك إزاء الوضع الراهن في "العالم العربي" والقضية الكوردية، وكذلك دور المرأة الكوردية في مواجهة إرهاب الإسلام السياسي... لكن قبل الدخول في صميم الموضوع أود أن أنقل لحضرتك خالص الود والتحية من الشعب الكوردى في كوردستان نظرا لمواقفك الرائعة والمشرفة إزاء الكورد شعبا وقضية، وباسم أبناء وطني أشكر لك مواقفك الشجاعة متمنية لك ولشعبك الكريم كل الحب والتقدير.

نص الحوار:

ـ س: من هي مليكة مزان، وبماذا تحلم؟         

ـ ج: مليكة مزان كاتبة وناشطة أمازيغية أعلنت نفسها امرأة كاملة السيادة، وكل حلمها ألا يتجرأ أي رجل بعد الآن على أن يتدخل في شؤونها الخاصة (أو العامة)، ومهما كانت صفة ذاك الرجل أو سلطته، فقد تعبت المرأة من كل الأساليب الرجالية، عفوا الأساليب الذكورية للحكم حتى الآن.

ـ س: كيف ترين مليكة مزان بدون شعر أو قضية؟

ـ ج: امرأة لا معنى لوجودها، أو امرأة ليس من حقها أبداً أن تكون.

ـ س: هل ثمة تشابه بين القضية الكوردية والقضية الأمازيغية؟

ـ ج: التشابه بين القضيتين موجود على أكثر من صعيد، وهو سبب تلاحم الشعبين وتضامنهما، لكن يكفي السؤال عن وجه واحد من أوجه الاختلاف لنقول بألا أوجه حقيقية للتشابه بينهما، فبالنظر إلى ما يقوم به الشعب الكوردي، (سواء في مجال العمل السياسي أو العمل العسكري) لإثبات وجوده والدفاع عن حقوقه لا نرى لشعبنا الأمازيغي أي تحركات مماثلة إلا ما كان باهتا منها أو عديم الأثر على الإطلاق.

ـ س: كيف تصفين دور المرأة الكوردية فى نضالها من أجل الحرية؟

ـ ج: يكفي أن المرأة الكوردية تواجه الآن أشرس قوى الهمجية والعدوان لنقول بأن دورها هذا دور تاريخي فريد من نوعه، دور أتمنى ألا يكون له في المستقبل من مثيل، وذاك حتى لا يكون ذاك المثيل دليلا ضدها وضد المرأة عامة في حربها على الهمجية... يسعدني هنا أن أنتهز فرصة الإجابة على هذا السؤال لأشكر النساء الكورديات على نضالهن وشجاعتهن وتضحياتهن، ولأعبر لهن جميعا عن خجلي من صغر قامتي أمام قاماتهن النضالية الفارهة.

ـ س: العقلية السياسية العربية هل تسمح بظهور كيانات مستقلة في المنطقة؟

ـ ج: العقل العربي مهووس بالسيطرة وبإنتاج وابتكار السياسة التي تخدم تلك السيطرة، مهووس بها هوسا يمكن القول معه بأن هذا العقل ما خلق إلا لشيء واحد:

أن يلتهم كل ما في محيطه من كيانات حتى ولو كانت أحق منه بالوجود، على أساس أن تلك الكيانات أقل نرجسية منه، بل وأقل طموحات توسعية، بل وأقل شراسة ودموية.

وليشفى العقل العربي من هوسه القومي التوسعي هذا ننتظر منه أن يصير أكثر إنصاف وعدالة، وقبل ذلك أكثر نزاهة وموضوعية، وقبل ذلك أكثر جرأة وشجاعة، مع العلم أن ليس هناك من شجاعة كشجاعة مواجهة الذات بفضح نزعاتها الوحشية، وتصحيح قناعاتها الهمجية، والتخلي عن اختياراتها العدوانية، بل ولمَ لا بالانقلاب عليها بأن يتم استبدال ثقافتها الهمجية الموروثة بثقافة جديدة أقرب إلى العقلانية والإنسانية. بنجاح انقلاب الذات العربية على نفسها (بالإضافة إلى عوامل أخرى) يمكن لتلك الكيانات الشرعية المستقلة من الظهور في المنطقة.

ـ س: هل أصبح ما يسمى بجهاد النكاح من أسباب انخراط الشباب في صفوف داعش، ثم ماذا عن الشابات؟

ـ ج: حين يتم غسل الأدمغة وتدجين الأرواح ودغدغة الحاجيات الضرورية للأفراد، يمكن للجسد أن يضعف تماما، وألا يتردد لحظة في أن يضع خدماته العضلية والذهنية بل والجنسية رهن إشارة أول طالب حتى ولو كان شيطانا، فكيف إن كان ذاك الشيطان يرتدي عباءة مجاهد.

للأسف شبابنا اليوم ضحية للسياسات الفاشلة المتعبة حتى الأمس القريب، وضحية لطغيان الإيديولوجيا العنيفة الموروثة من ذاك العهد البعيد، ولن يجد خلاصه الأخير إلا بمعجزة لن تتحقق سوى على مراحل، وعلى أكثر من صعيد.

ـ س: تحت مظلة الدين والشرع والفتاوى دفعت المرأة ثمنا باهظا في المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص، برأيك إلى أي مدى أصبح الدين أداة لقمع المرأة؟

ـ ج: إلى ذاك المدى الذي صار كل ذكر ذكر معه (حتى وإن كان ناقص عقل ودين، وعديم ذوق وإحساس وضمير) داعية من دعاة الدين يمارس ما يحلو له من تكفير وترهيب، ومن إدانة وتجريم، ولهدف واحد:

أن يبقى المستنقع الذي تحت سيطرته مستنقعا، سواء كان بيتا، أو شارعا، أو مدرسة، أو مسجدا، أو مقر عمل، أو حتى حكومة، أو برلمانا، أو قصرا... ولعل أول كائن يشكل تهديدا لمستنقعه ذاك هو المرأة، فثورة المرأة هي مفتاح كل تغيير حقيقي جميل، وأنت تعلمين ألا عدالة حقيقية ولا حرية حقيقية إلا تلك التي تنتزعها المرأة لنفسها ولمجتمعها طبقا لما وضعته هي لها من شروط ومفاهيم.

ـ س: ما هو جديدك الثقافي، وبماذا يتميز عن أعمالك الأخرى؟

ـ ج: أحاول دائما أن يكون لي جديد ما، إذ يؤلم امرأة وحيدة مثلي أن تكون نهايتها بعيدا عن عالم الكتابة، سحره وجنونه، تلك الكتابة التي كانت قد ضحت من أجلها بكل شيء. حاليا أنا بصدد مراجعة كتابي "بكل جوعي إليك"، وهو مجموعة من الرسائل المفتوحة إلى المفكر والناشط الحقوقي الأمازيغي أحمد عصيد، وكذا مراجعة كتابي الأخير تحت عنوان: "لأن الأصل هو الغياب"...

ـ س: متى ستزورين كوردستان؟

ـ ج: سأزورها حين سيعبر لي الشعب الكوردي (من خلال مؤسسة رسمية أو من خلال إحدى منظمات المجتمع المدني) عن رغبته في أن تتشرف قدماي بمعانقة تراب أرضه المقدسة. لا أحب أن أقوم بأي زيارة من تلقاء نفسي تفاديا لما قد يقوم به البعض من قراءة تعسفية لمبادرة كهذه.

ـ س: هل من كلمة أخيرة؟

ـ ج: كنت أتمنى لو لم يكن الشعب الكوردي مضطرا لخوض كل هذه المعارك الضارية التي أودت بحياة كثير من نسائه ورجاله في سبيل إسماع صوته وتحقيق مطالبه، لكن شاءت الهمجية المتجددة في المنطقة أن يكون للحرية والكرامة كل هذا الثمن.

أنتظر من الشعب الكوردي أن يتذكر (وهو يبني مستقبلا أسس دولته المستقلة) كل هذه التضحيات، وذلك بأن يحرص كل الحرص على أن يوفر لجميع أفراده، وبما ينبغي من عدل ومساواة، ما ناضلوا من أجله جميعاً حتى لا يجد أي منهم أيما مبرر لأن يحن إلى ما كان له من فضلات حياة وحرية وكرامة تحت الحكم المستبد للغرباء من عرب وفرس وأتراك.





مليكة مزان: إذا كان هناك من شعب على الضمير العالمي أن يقف إلى جانبه حتى تتحقق كل مطالبه فهو الشعب الكوردي!

(حوار أجرته الشاعرة الكوردية مريم تمر)

نص الحوار:

ـ س: حدثينا بداية عن مليكة مزان المرأة الأمازيغية/الثورة، من أي حديد صيرت كينونتها، ومن أي ياسمين قلبها منذ نعومة روحها، وإلى اليوم، وبإسهاب؟

ـ ج: لا أحب أن أتحدث عن نفسي، لذا، وإجابة على هذا السؤال، سأكتفي بالقول أنه يكفي لأي امرأة أن تولد في مجتمع عربوفوني إسلامي طاغ ومتعفن لتصير هي عينها مليكة مزان بكل ما يعرف عنها من قوة وجبروت، أو من رقة وضعف، وربما أقوى من مليكة مزان بكثير، وربما أرق...

ـ س: ديوانك (أنا وباقي الملا عين) صعقات كهربائية، أي نقمة جعلتك تسطرين هذه الصعقات؟ وما الذي تريدين إيقاظه؟ ومما؟

ـ ج: وقاحة الواقع في تدبير شؤوني (سواء كامرأة أو كوطن أو كشعب) تدبيرا لاعقلانيا هي ما جعلتني أفكر في توجيه هذه الصعقات الكهربائية، صعقات أعتبرها أقوى أشكال محاربتي لذاك النزوع المرضي لفهم العالم وتسييره طبقا لتصورات همجية لم يعد يقبل بها أي عقل سليم يحترم نفسه.   

ـ س: "لا أستعين بمكر صنم أو خبث نبي"، أنت وهذه الفلسفة الوجودية التي تطرحينها بجرأة، وتغتالين كل الحقائق الموجودة في الشرق، من أين استمددت هذه القوة والثقة؟

ـ ج: من تسلحي بالتفكير العقلاني الذي يخضع كل عقيدة (دينية أو فكرية أو سياسية) تسيء للإنسان (سواء كان فردا أو شعبا) للشجاع الجريء من النقد والمساءلة.

ـ س: هذه الأصنام التي لابد منها في الحياة، من تقصدين بها ؟وما المراد من مخاطبتها؟

ـ ج: أصنام الدين والجنس والسياسة لم يعد يصلح وجودها في حياتنا إلا لتحطيمها، فعلى هكذا أصنام أن تدرك الآن (وأكثر من أي وقت مضى) أن زمنها قد ولى، وأن الإنسان المعاصر، انسجاما مع ذكائه المتنامي، لم يعد يسمح لنفسه بالركوع للمتواجد منها ولا بصنع المزيد منها.

ـ س: في قصيدة عن "الرباط" تعرين هذه المدينة بقسوة، أي حقد قاسٍ في قلبك اتجاه هذه المدينة؟

ـ ج: في الواقع كتبت القصيدة، أول ما كتبتها، لأصب غضبي على مدينة "ليون" الفرنسية التي لم تكن بالنسبة لي، أيام إقامتي فيها كزوجة دبلوماسي مغربي، غير إحدى مدن فرنسا ذات الماضي الأسود في كل ما عانى منه الأمازيغ بشمال إفريقيا منذ عصر الرومان حتى اللحظة الراهنة مرورا بفترة الاستعمار وعهد الحماية. ثم ارتأيت أن أنقل خطابي الموجه فيها لمدينة "ليون" إلى مدينة "الرباط" العلوية، على اعتبار أن المدينتين في تعاملهما مع القضية العادلة لشعبنا الأمازيغي وجهان لعملة واحدة.

ـ س: القحبة، العاهرة، عورات الآلهة، صنم، شياطين، إلحاد، دين، الصلاة، الكفر، وأنت تكثرين من استعمال هذه الكلمات وتسقطينها على نفسك (عهري، كفري)، هل تعاندين اللغة بالمحظور لتفرغي جعبتها من كل خوف؟

ـ ج: الأوجه المتعددة لفساد الواقع لم يكن لها إلا أن تفرض علي قاموسا لغويا دون غيره، بهذا القاموس وحده استطعت أن أواجه الواقع دون خوف، كيف أخافه وذاك القاموس منه وإليه؟ إنه من الذكاء أن نواجه العدو بنفس أسلحته، وقد يكون الأمر أفضل لو نحن واجهناه بأسلحة أكثر تطورا، وأعتقد أن ذلك هو ما نجحت فيه.

ـ س: "من سوء حظ الآلهة أنها لم تتنبأ بمثلي، دعوني إذاً أغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر"، هنا تحاورين الآلهة بطريقة محترفة، وتعلنين الثورة على كل الأرباب، هل لك أن تحدثينا عنك وعن الآلهة التي يجب أن تغفري لها ذنوبها؟

ـ ج: منذ أن اكتشف الإنسان نفسه بأنه كائن ميتافيزيقي وهو يتفنن في اختراع الآلهة، هذه الآلهة أساءت للإنسان أكثر مما أفادته. شخصيا كي أغفر لتلك الآلهة جرائمها لا بد لي أولا من إحالتها على التقاعد.

أجل، لا بد لكل آلهة طاغية مريضة من أن تتقاعد هي وكل الذين اخترعوها أو آمنوا بها، خاصة بعد أن تفاقمت تبعات تسلطها اللاعقلاني علينا وثبت فشلها في تسيير شؤوننا وعلى مدى قرون عديدة.

ـ س: "كافرةً تشتهيني فواكه الجنة، فلتمض الشياطين بي نحو سجود الملائكة"، هذا النداء الداخلي برفض التعاليم وكسر قيود الأديان، الأنثى في داخلك ماذا تجرعت من كل ذلك؟

ـ ج: تجرعتُ من كل ذلك ما يكفي ليكون مشروعي الوحيد هو الثورة على كل ما يقال عنه أنه "أخلاق لا بد منها" لتحقيق سعادتنا وخلاصنا سواء كأفراد أو كمجتمع.

ـ س: "كلما شدني الجوع إلى فواكه أيما جسد على غباء أنثاي أبزق"، هل توجعت مليكة/ الثورة من بلاهة الرجل، وهل هناك معاناة كبيرة، حدثينا عنك وعنه...

ـ ج: ما بين المرأة والرجل سنوات ضوئية من سوء الفهم، وقد حاولت أن أزيد من بُعد تلك المسافات بتسليط مزيد من الضوء عليها، لعل هول تلك المسافات يشكل صدمة للرجل فيحاول إصلاح ما أفسده من أجواء وشروط العيش السعيد المشترك.

ـ س: كلماتك الثائرة تكسر كل الأصنام وتحترف الإلحاد، وترمي بالشرق إلى حاوية القمامة، انقلاب ضد الذكورة والطغاة، أي امرأة أنت؟

ـ ج: امرأة قد تكون (وهي تحطم كل الأصنام) أي شيء إلا أن تكون ملحدة.

فأنا (كمناضلة أمازيغية علمانية شرسة)  لا أقبل اتهامي من طرف أعدائي بالإلحاد إلا في حالة واحدة:

حين يكون المقصود بالإلحاد هو ذاك الكفر الحلال بكل ما هو فاسد وقبيح وظالم. في تلك الحالة فقط أعتز بأني أكبر الملحدات الثائرات على قيم الشرق ومنطق الذكورة.

ـ س: "أضاجع الشياطين كلها وأسعد الرب"... أين هي العقدة هنا؟ هل من شرح لها؟

ـ ج: أحس بأن الله في الثقافة العربية الإسلامية رب تعس، سبب تعاسته هو ذاك التصور الهمجي الذي تقدمه هذه الثقافة عنه، وأن علي (كحفيدة لابن رشد الفيلسوف الأمازيغي العقلاني الشهير) أن أعمل على إسعاد الله، وإسعاده لن يتم في نظري سوى بالانتقام له، وأما الانتقام له فلن يكون سوى بالانتصار لخطاب العقل، خاصة وأنه الخطاب الذي ما يزال أعداء الله والإنسان يصرون على محاربته وبكل ما أوتوا من قدرة على الهمجية والظلم.

شخصياً، إذا كان خطاب العقل، في نظر هؤلاء، هو خطاب الشيطان ليس إلا، فأنا أفضل أن أضاجع، في كل تحليلاتي وكل انتقاداتي وكل أحكامي، أيما شيطان عقلاني على أن أضاجع صاحب أي عقل أصفر، أو حزام ناسف، أو سيارة مفخخة. 

ـ س: أنت التي عملت أستاذة للتربية الإسلامية لمدة عشر سنوات، هل بإمكاننا القول أنك احترفت الإلحاد بعد أن أعلنت عهرك الجميل وهويتك الشعرية، ولبست الثورة، حدثينا عن هذا التناقض؟

ـ ج: ليس هناك أي تناقض أو تحول في مساري، فما يراه البعض في كتاباتي أو مواقفي أو تصريحاتي على أنه انتقال إلى إعلان الإلحاد والعهر كان وما يزال في نظري استمرارا لما كنت عليه من تعقل وإيمان وطهر.

وإن كان لا بد من الحديث هنا عن أيما تناقض فإنه لن يكون سوى تناقض مادة التربية الإسلامية نفسها التي كنت أدرسها انطلاقا من المناهج التربوية المقررة، ذاك التناقض الصارخ بين ما تعلنه وتدعيه وبين ما تخطط له ولا تكشف عنه.

فقد كانت تلك المناهج تروج بين التلاميذ لكثير من العنف والقبح والظلم، وكل ما كنت أفعله في تدريسي لها هو منعها من أيما نجاح في أداء مهمتها تلك.

ـ س: روايتك "إلى ضمة من عطركِ"، ماذا عنها، ترجمتها إلى اللغة الكردية ماذا أضاف إلى قلبك؟

ـ ج: أتمنى أن تكون الترجمة قد تمت بما ينبغي من أمانة ودقة، في هذه الحالة فقط سأكون سعيدة جدا لأن هكذا ترجمة للرواية إلى لغة الشعب الكوردي العزيز ستعمل على مد جسور أخرى بيني وبين هذا الشعب كروائية بعد أن كانت جسور سابقة قد امتدت بني وبينه كناشطة حقوقية وكشاعرة.

ـ س: علاقتك الخاصة والمميزة مع الأكراد وصرختك مطالبةً بحقهم، ماذا عنا وعنك؟

ـ ج: أؤمن بأنه إذا كان هناك من شعب على الضمير العالمي أن يقف إلى جانبه حتى تتحقق كل مطالبه فهو الشعب الكوردي.

شخصياً حاولت أن أرضي ضميري إزاء هذا الشعب، غير أن البعض استغرب تعاطفي معه، وليس لي (هنا أو حيثما كنت) سوى أن أستغرب من استغرابهم اللاأخلاقي ذاك أشد استغراب.

ـ س: حياتك الزوجية وطلاقك، ماذا أخذا منك، وماذا أعطياك؟

ـ ج: حياتي الزوجية منحتني كثيرا من العبودية والمهانة من جهة، وأكثر من سبب ملح للكتابة المتمردة من جهة أخرى، وأما طلاقي فقد حررني حرية أشتهيها لكل عبيد العالم.

أجل، فكما تم طلاقي من رجل عربي عنصري أتمنى أن يتم أيما طلاق ما بين الشعوب الأصلية والاستعمار العربي في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل وأن يتم ما بين كل الشعوب الإسلامية وبين كل التجليات الهمجية للثقافة العربية.

ـ س: وأيضاً المفكر الأمازيغي أحمد عصيد، حدثينا عنه...

ـ ج: أحمد عصيد تجربة مؤلمة ورائعة في نفس الوقت، تجربة نضالية وعاطفية عشتها بشتى فنوني وبكل جنوني، والسبب أن أحمد عصيد ذاته كان تلميذا كلما تعلق الأمر باستظهار دروس في الحب والنضال والوطنية تفوق على الجميع، لكنه في مادة التطبيق أثبت لي وللجميع أنه أكثر التلاميذ فشلا وغباء وخسارات. وأنا من عادتي أن أحاسب كل الذين يناضلون من أجل هدف واحد:

إهانة كل مَن/ما يناضلون لأجلهم.

بل من عادتي أيضا أن أقاطع الذين يعشقون لهدف واحد:

خسارة كل مَن/ما يعشقون.

ـ س: بعد ستة دواوين شعرية، أنت والقصيدة، ماذا تقولان لنا اليوم؟

ـ ج: سأقول بأني تعبت، تعبت من غياب العقل، من غياب الحب، من غياب الذوق. ولأني تعبت من كل هذه الغيابات الفظيعة القاتلة فقد أصاب القصيدة (قصيدتي على الأقل) صمت مفاجئ أتمنى ألا تكون له الكلمة الأخيرة.

ـ س: إطلاقك لمصطلح "جهاد النكاح المضاد"، وحلولك في برنامج "في قفص الاتهام" لصاحبه "رضوان الرمضاني"، ماذا عن هذه الفكرة، وما الذي كان وراء ذلك؟

ـ ج: من المؤسف أن ذاك البرنامج لم يلتف من قبل إلي كمناضلة لم تكن لتكف عن رفع صوتها مطالبة بحق شعبنا الأمازيغي في الحرية والكرامة، وأنه انتظر فقط تلك الضجة التي أثارها إطلاقي لما سميته بـ "جهاد النكاح المضاد" تضامنا رمزيا مني مع الشعب الكوردي، لهذا حرصت على انتهاز فرصة الحلقة التي كنت ضيفتها كي أمرر وجهات نظري حول قضايا الساعة المسكوت عنها في الإعلام العربي الرسمي العنصري. وقد حققت تلك الحلقة نجاحا كبيرا لم أكن أحلم به.

ـ س: التنقل بين فرنسا والمغرب وسويسرا، ماذا أضاف المكان لتجربتك الإبداعية؟

ـ ج: بل أتساءل عما كنت سأكتبه من نصوص لو كان السفر قد امتد بي إلى اليابان مثلا أو أمريكا أو حتى إلى خارج كوكب الأرض، ذاك أن للمكان سلطته على المبدع وفعله العميق في حواسه وعواطفه وفكره.

شخصيا أضافت الأماكن التي أقمت فيها الشيء الكثير لتجربتي الإبداعية، ذاك أنها وبالضرورة ليست مكانا محضا بل مكانا زمنيا أيضا على اعتبار أن الزمن هوية المكان التي تكشف عن درجة توغله في المستقبل ومسافته منه، تلك المسافة التي تقاس بإنجازات المكان الروحية والمادية، وجلها إنجازات عقلانية أذهلتني، بل وجعلتني أقيم كثيرا من المقارنات الصعبة المؤلمة، وأنت، كشاعرة كوردية جميلة، تعلمين كم هو كبير أثر الألم على كل تجربة إبداعية.  

ـ س: مليكة مزان الأمازيغية أصلاً (الكردية مجازاً)، وأنت تطلقين كل هذه الثورات، أنت والحياة، إلى أين وصلتما؟

ـ ج: إلى هدنة هشة كثيراً ما يتم خرقها سواء من طرفي أو من طرفها، وكأن الصراع والشقاء هما الأصل، لا السلام والطمأنينة.