الاثنين، فبراير 25، 2013

قراءة في ديوان " لو يكتمل فيكَ منفاي" للشاعرة الأمازيغية مليكة مزان


بقلم : إدريس العمريني
أستاذ اللغة الأمازيغية وباحث بماستر الكتابة ومهن الكتاب

قبل أن تكون "مليكة مزان" شاعرة فهي مناضلة راديكالية حد الجسارة، الشيء الذي نلمسه ونحن نهيم في وادي شعرها المعتق بنبيذ الجسد العاري والكفر المعلن والتمرد المقصود ضدا على سياسات التفقير والتجويع التي تطال وطنها "تامازغا"، وكل ذلك وهي الرافعة لشعار :

لتكون تامازغا أولا تكون !

( من قصيدتها : " في استفحالي أحبك أكثر " )

كيف لا ومنبتها جبال "أزيلال" الممتدة في جبال الأطلس الكبير بالمغرب العميق ؟!

كيف لا وكل أنواع الحرمان والتجويع واليتم تطال الأمازيغ هنا وهناك ؟!

إنها صرخة أنثى متمردة تنشد تغييرا جذريا يكون فيه مقام الأنثى مثل مقام الرجل، ويصبح فيه اليتم والجوع في أقاصي الجبال دفئا وشبعا في الآتي من الآمال المنشودة في حاضر الوطن "تامازغا" الممتد من المحيط الأطلسي غربا إلى واحة "سيوا" شرقا ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الحدود المجالية للطوارق جنوبا .

إن للشاعرة نظرة ورأيا خاصا لحل كل المشاكل التي ترتبط بالإنسان الأمازيغي أينما حل وارتحل بأن " تكون تامازغا أولا تكون" ذاك الوطن المعشوق عندها، تتطلع إليه بكل ما تحمله من جنون الوله والحب في قولها :
...

وأذكر نشوتكَ وكيف اشتعل دمي
حرائقَ ، وحدائقَ ، وفنونْ !
آيتكَ صرتُ :
أعشق الوطن أكثر وأسمو في جنون !

( من قصيدتها : " في استفحالي أحبك أكثر" )

فما سر هذه القوة وما كنه هذا الجنون في حب الوطن / الحلم " تامازغا " ؟!

تظل الأم حاضرة في قصائد الشاعرة "مليكة مزان" ، ووصاياها مشكاة تهتدي بها في ظلمات الدروب وتستمد منها نور القوة الذي لا يندثر.

تقول الشاعرة :

طبقا لوصايا أمي أحبكَ أكثر ،
لا كما أحبتكَ أغنية من بعدي
أحبك أكثر !
أحبكَ فسجل أني أقوى من كل اندثار !

( من قصيدتها : شبيها بهذا الشجر كنتَ )

فالأم حاضرة في شعر "مليكة مزان" ، وهذا الحضور يأخذ أبعادا رمزية، فتارة تعتبرها مرجعا أساسيا لسياسات الرفض لديها وتارة أخرى تعتبرها خطيئتها بتمردها على الرب !

والأم بهذا المنحى رمز للوطن الحلم "تامازغا" الذي جعل من الشاعرة رافضة متمردة على كل أنواع اليتم والجور والحرمان والتجويع .

تقول الشاعرة :

رقصة ٌ من أعالي الرفض
ونتماهى في ضمة هي كونُنا الأثير ُ
ونتصاعد نشيداً من قِـدم الحنين ِ :
نعم .. لنداء الروح فيك َ
نعم .. لاشتعال الجسد ِ
ما ديني فيكَ غيرُ عمق شهيِّ الطفولة !

( من قصيدتها : " عرس أنت على مقاسي الأعالي " )

فالشاعرة تنشد هاهنا الكون الأثير للوطن " تامازغا" عبر أعالي الرفض حين يمزج برقصة يحدث التماهي ، مما يظهر هذا التفاعل الحاصل بين ثقافة الشاعرة المتمثلة في التراث الأمازيغي العريق ، عبر نوستالجيا يخلدها النشيد المتصاعد من قدم الحنين للوطن "تامازغا"، من جهة وبين سياسة الرفض التي تشنها حملة ضدا على سياسات التجويع والتفقير واليتم والتسلط الممنهجة من جهة ثانية .

وكلها مناح ترسخ مبادئ الشاعرة حتى تقاوم أي انطفاء قد يغتال اشتعال الجسد ، أو أي قمع قد يخرس نداء الروح . فانطفاء أولهما وخرس الثاني لا يعني إلا الخنوع والاستسلام لقضية تحرص الشاعرة كل الحرص أن يصمد وهيجها متقدا أمام كل محاولة للإطفاء كما تحرص أن تبقى مدوية ضدا على كل قمع.

هذه الرقصة الأسطورية التي تنشدها الشاعرة "مليكة مزان" عبر عملية التماهي تلك، تظل أسطورة مجردة من حضورها الحقيقي في الوطن الحلم " تامازغا"، لتستبشر الشاعرة بالعرس المنتظر الذي وحده ما ستتحقق فيه رقصة التماهي تلك ، وفي المكان الأثير "لإملشيل" ، وبه فقط تصبح أسطورة الرقصة حقيقة حاضرة ـ لا حقيقة مجردة ـ بفعل هذا التماهي مع أسطورة "إسلي" و "تيسليت" في أعالي الأطلس الكبير بإملشيل حيث الاحتفاء بموسم الخطوبة ماضيا كان ، وحيث سيكون العرس المنتظر "لإسلي و"تيسليت" متوجا برقصة التماهي في "إملشيل الحب" ، ومعه تتوج "تامازغا" وطنا كائنا يكون، لا وطنا في خبر كان !