‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات نقدية لأشعارها. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات نقدية لأشعارها. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، نوفمبر 03، 2014

أزمة عقول

مقال بقلم الكاتبة المغربية الفيسبوكية  حسناء مطر Hasnae Matar

هذا المساء قرأت على صحيفة "هبة بريس" الإلكترونية مقالا كان عنوانه كالتالي"مليكة مزان تعترف ب "مضاجعة" عصيد و تفضح أسرار ما جمعهما بغرفة النوم !!"

كان المقال في أوله عبارة عن تحليل يعتقد كاتبه أنه قد حلل وبعمق قصيدة للشاعرة مليكة مزان عنونتها بالتالي "رسالة مفتوحة إلى أحمد عصيد" .. ، والأهم من هذا وجدت تعليقات كثيرة على هذا المقال كلها سب وشتم ، بل ودعوة غاضبة إلى رجم وقتل هذه الشاعرة الأمازيغية .. حيث أن بعض الأمازيغ يتبرؤون منها ومن انتمائها لهم .. بل وهناك أيضا إجماع على أن مليكة مزان ملحدة وكافرة ...و.و.و.و..!!

الجميل فينا ، نحن الشعوب العربية ، أننا أسياد عقليات سطحية .. طفيفة الفهم .. غبية الإدراك .. وقد أثبت تاريخنا أن اندفاعنا  الانفعلالي التخلفي جعلنا نفقد رموز تراثنا وأفحل العقول ، أذكر على سبيل المثال لا الحصر فيلسوف المتصوفين "الحلاج" الذي صلب وقتل بأبشع الطرق بفتوى من الفقهاء الدجالين وسطحية باهتة في فهم عمق تصوفه من طرف العامة ، ونفس الشيء يمكنني قوله عن الشيخ المقتول وأقصد هنا السهروردي الذي اختلف البعض في الطريقة التي قتل بها ، فمنهم من قال أنه منع عن الأكل والشرب حتى مات ، وطائفة تقول أنه أحرق ، وأخرى قالت أنه قتل بالسيف  .. لكنه عموما وعلى كل حال لقد رمينا بفيلسوف إشراقي تحت التراب ودفنّا ثروة لا تقدر بثمن جهلا منا وبسبب الظلام الذي نسبح فيه والاندفاع السريع في إسقاط أحكام دون فهم ولا دراية .

لا أحاول أبدا أن أقارن بين أسطورتين عظيمتين كالحلاج والسهروردي بمليكة مزان رغم أني أحترم هذه الأخيرة ، و لا داعي أحمله معي لكي أعارضها أو أؤيدها ، لكني فقط أود أن أشير إلى هذه العصبية في التفكير التي ورثناها عن أسلافنا  .. لماذا نكرر أخطاء التاريخ ؟ لماذا لا نقبل بالاختلاف ؟ لماذا نربط كل تفكير بما هو عقائدي وديني ، ونحن أنفسنا نلجأ في الأخير إلى إصدار أحكام طائشة باسم الدين وهو برئ منها كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب  ..من يعطي لنا الحق أو ذاك في تكفير الآخر المختلف وفي الحكم على حياته بفقدان الصلاحية في العيش فقط لأنه لا يفكر مثلنا أو بالأحرى وبأسلوب أوضح فقط لأننا لا نملك القدرة على فهم تفكيره العميق ولا نجيد طريقته النابغة في التفكير ، ونمتهن فقط القدرة على تكفيره والرقص على وتر الخطابات الدينية الرنانة التي نسمعها من شيوخ الضلال  .

يا سادتي  ..

وجدت نفسي مرغمة بأن أقول بضرورة الفهم والاستيعاب للنصوص الأدبية والفلسفية قبل إصدار أي حكم  ..فكم من مقاصد فهمت خطأ ، وأفكار همشت لأننا لم نرق إلى مستوى فهمها .. سأذكر هنا عمر الخيام .. وأنا متأكدة لو أن غربيا مر من هنا وقرأ اسم عمر الخيام لذهب به عقله مباشرة إلى كأس خمر شهية .. ولا أستبعد أبدا أن يحصل نفس الأمر مع شرقي .. فنحن أتباع الغرب في كل إشارة .. الخيام هذا كما نعلم شاعر وفيلسوف كوني والذي عرف بتخصصه في الرياضيات والفلك والتاريخ والفقه واللغة ، ونعت بالسكير العربيد وبالملحد الزنديق .. لأنه عاش قلق التساؤل ووصل إلى درجة الإيمان العقلي لا الإيمان الساذج المتوارث ، ولأن رباعياته تضج بدعوته للخمر ولارتشافها .. هؤلاء الذين فهموا الخمر عند الخيام بأنه ذلك الخمر المركب من الكحول الإيثيلي .. أسائلهم بأي منطق تقرأون ما شئتم كيفما شئتم .. من أدراكم بأن الخمر الخيامية أو النواسية هي نفسها الخمر في أذهانكم المحدودة ؟ وهنا سأتحدث عن الخمر التي تنتج عن المحبة الإلهية هل تعرفون شيئا عنها وعن درجة الإيمان التي يصلها المتصوف والتي بلغها الخيام بفلسفته الصوفية .. عذرا منك أيتها العقول الملتحية بالسراب لا أجد لك عذرا في اتهام من تريدين بما تريدين .. فالفكر الحقيقي لا ينتهي مهما كدتم وتعبتم ..

لن أطيل أكثر .. 
فالحديث في هذا الموضوع ليس سوى حسرات وتحسر على ماض بئيس و حاضر أبأس ومستقبل أراه يشرب من البؤسين بحارا  .. سأترككم مع سطور من قصيدة مليكة مزان .. فأنا بحق أحببتها وأتشرف بنشرها عندي .. وللأدب حياة  !!

نص القصيدة  :

عزيزي .. قد يحصل أن يعاودكَ الحنين إلى الجسد ،

إلى مجرد جسدٍ ،

قد يحصلُ .

عزيزي .. إن حصل فتعالَ  !

تعال لأحبكَ بقلب أقلَّ ،

تعال لتقبلني بشفتين تعانيان من ضعف في المواطنة ، من خيانة في التواصل !

تعال ، سأعصر لك الجسدَ ..

حتى آخر قطرة حب ،

حتى آخر قطرة سم !

تعالَ ،

لن نشيخ وحدنا الليلة ،

كل الأشياء الجميلة ستشيخ معنا ..

حتى الوطنُ ،

حتى الثورة ُ ،

حتى الفـنّ ُ ،

حتى الحـب  !

آهاً .. كم هو مؤلم أن يشيخ معنا الحب  !

أجل ، الحب ، ذاك الذي وحده كان يشعل لديَّ فتيلَ الكتابة !

...
....


الثلاثاء، يوليو 16، 2013

الإبداع النسائي جاء ليكسر تقاليد البنى الأدبية


بقلم الناقد المغربي مبارك أباعزي
عن موقع جريدة " العرب " عدد : 16 يوليوز 2013 

احتل السرد الروائي مكانة الصدارة في الآونة الأخيرة ، فيما تراجعت حظوة أجناس أدبية أخرى كانت تعتبر في حقب تاريخية جوهر الأدب وماهيته من قبيل الشعر والقصة والمسرح؛ ففي الغرب مثلا يقبل جمهور القراء على ابتياع الرواية، ولم يعد هناك مجال لظهور الشعر بالشكل الذي كان عليه في ما مضى.

وفي التاريخ الأدبي القديم عند العرب، كانت الأجناس التعبيرية غيرُ الشعرية مدخلا للممارسة الأدبية الحقة، أي قرض الشعر ونظمه، وفي القرن التاسع عشر كان المسرح سيد الأدب وعماده، فيما ظلت الأجناس الأخرى مجرد حصى بين الصخور. أما في العقود الأخيرة فقد شهدت ظاهرة جديدة جعلت أمور الفعل الإبداعي تنقلب عكس المعتاد، أي أن الممارسة الأدبية الحقة هي الكتابة الروائية، دليل ذلك أن الكتاب يبدؤون بالشعر وينتهون بالرواية.

إن أجمل التجارب الأدبية الموقعة بأسماء نسائية هي تلك التي دشنتها أحلام مستغانمي بإصدارها روايتَها الأولى “ذاكرة الجسد”، وجاءت بعدها نصوص سردية أخرى هي “فوضى الحواس″ و”عابر سرير” و”نسيانكم” و”الأسود يليق بك”، لكن ما لا يعرفه الكثير من القراء هو أن التجربة الأدبية لأحلام مستغانمي بدأت بالشعر حينما أصدرت ديوانين هما “الكتابة في لحظة عري” و”على مرفأ الأيام”.

أما تلك الفريدة الأمازيغية المسماة مليكة مزان فقد تشكلت دماؤها من الكلمة الشعرية، فتوجت الأدب الأمازيغي المكتوب بالعربية بدواوين ستة هي :

جنيف .. التيه الآخر
لولا أني أسامح هذا العالم  
لو يكتمل فيكَ منفاي
حين وعدنا الموتى بزهرنا المستحيل
متمرداً يمر نهدكِ من هنا

لكنها أرادت اختبار غواية الرواية بإصدارها لـ " إلى ضمة من عطركِ ! " ، وهذا قد يحيل إلى أن الممارسة الأدبية الحقيقية هي السرد الروائي.

هذا الممر الإبداعي هو نفسه الذي سلكته الأديبة الطبيبة فاتحة مرشيد التي خطت خطوتها الأدبية في درب الشعر بعد أن نشرت باكورة دواوين نذكر منها: “آخر الطريق أوله” و “إيماءات” و”ورق عاشق”. وقد نالت ما تستحقه من شهرة أدبية بعد المغامرات التي أقدمت عليها بعد إصدارها رواية “لحظات لا غير” وأتبعتها برواية ثانية هي ” مخالب المتعة”، ثم برواية ثانية هي “الملهمات”، ورابعة هي “الحق في الرحيل”. هذه الأمثلة التي ذكرناها تعبر عن منظور نسائي إلى فعل الإبداع الأدبي مفاده أن الممارسة الأدبية الحقة تستدعي تجريب الأجناس المختلفة، والتربع فوق عرش الرواية في نهاية المطاف.


السبت، يونيو 29، 2013

مليكة مزان وباقي الملاعين


     

انطباعات للصحافي المغربي عبد الرحيم نفتاح
( عن موقع نون الإلكتروني بتصرف )

وأنا أقرأ لأول مرة قصائد ثائرة، جريئة، وبلغة ملغومة جدا، موقعة باسم مليكة مزان، تملكني فضول كبير لسبر أغوار هذه الشاعرة التي خرجت عن الصف، وتخطت الخط الأحمر، وحطمت الرقم القياسي في اللغة الشعرية، معلنة عصيانها نهارا جهارا للدين والسياسة والجنس، ثم تقاطرت علي الكثير من الأسئلة، عن قصة هذه... الشاعرة وخلفياتها وحياتها ودفعتني هذه الأسئلة بداية إلى التفتيش عن حياتها، أفكارها ...

أولى النتائج العاجلة تفاجئني بأن السيدة متهمة بالإلحاد والعهارة وغيرها من أوصاف الزندقة والمروق... هنا سيزداد فضولي، لكن هذه المرة ليس لمعرفة حقيقتها إلكترونيا، بل واقعيا، وأخذت أبحث للوصول إلى خيط يوصلني إلى هذا السيدة، فكرت بداية في مراسلتها من أجل مقابلة صحفية، سأتوصل بعد ذلك برد من الشاعرة ترفض بطريقة لبقة، مضيفة بأن العديد من الصحافيين طلبوا منها إجراء مقابلة صحفية معها لكنها رفضت لأسباب شخصية وأمنية، مؤكدة بأنني سأتعب نفسي دون جدوى..لكن تحت إصرار مني، وبعد تجريب مختلف المحاولات، وبعد صبر طويل، نجحت في إقناعها بإجراء المقابلة لكن بشرط عدم التسجيل.

قبل اللقاء رسمت كل السيناريوهات في مخيلتي، وطرحت الكثير من الأسئلة، كنت متحمسا لمقابلة هذه الإنسانة المتمردة على كل شيء لأغذي فضولي الشخصي وفضول الآلاف من المتابعين لكتابات مليكة مزان داخل المغرب وخارجه.

بجلباب أسود فضفاض نسبيا لايرسم تفاصيل جسدها الذي طالما تغنت به في قصائدها، وبوشاح خفيف طوق عنقها، جاءت اللقاءَ في الزمان والمكان الذي حددناه مسبقا، مبتسمة وجهٍ حافظ على جماله الأمازيغي،( لأن الأمازيغ يعتبرونها أيقونة الجمال الأمازيغي في هذا العصر)، مع هذا الوجه المبتسم، سجلت ثالث الملاحظات(فقد كنت حريصا على ملاحظة أدق تفاصيل هذه المرأة غير العادية) وهو شيء من الارتباك والتوجس وكأن أحدهم يتربص بها، لكن رغم ذلك حاولت أن ترسم على محياها ابتسامة صفراء محاولة طرد شبح هذا الخوف الذي يجثو على قلبها، أخذت المبادرة محاولا مساعدتها في التغلب على هذا الارتباك، الذي قد يربك مقابلتنا، وهو الشيء الذي تأتى مع مرور دقائق الحوار التي تجاوزت المائة.

عندما كانت تتحدث مليكة، كنت بين الحين والآخر أسترق النظر إلى يديها، وقد كانت تفركهما بطريقة تدل على حالة نفسية مضطربة، وكلما عرجت في كلامها على حدث معين تزمجر وتقسو كلماتها ...

ليس من السهل على امرأة كمليكة مزان أن تحيى حياة يطبعها الهدوء والاستقرار، بعد ما عاشت ظروفا عنوانها الأبرز هو المعاناة، كانت تحكي وأراها عصية الدمع، تحكي وكل حكاياتها عن قسوة وظلم و”حكرة” وحرمان و و و

وكلما أمعنت مليكة مزان في قص حكاياتها المحزنة، كنت أراها ضحية لعبة ممنهجة، وخطة وقحة رسمها غيرها ووقعت في شباكها، هذا الغير الذي طلبت مني عدم ذكره في الحوار، لأنه مازال يهدد كيانها، ويعد عليها أنفاسها...

عندما قرأت بعض قصائدها من ديوانها الأخير الذي جر عليها اللعنات، قلت في قرارة نفسي من هذه الشاعرة الملعونة؟ لكن بعد هذه المقابلة، أدركت جيدا بأن ديوان “أنا والملاعين” وعت صاحبته اللعبة التي مورست ضدها، واستطاعت أن تخلص إلى حقيقة واحدة، أن الحالة التي وصلت إليها اليوم، وأن الحياة التي لم تذق منها غير المرارة والشقاء، كان مصدرها هؤلاء الملاعين الذين أثثوا حياتها، ولازالوا يطاردونها.

أقول ليس دفاعا عن مليكة، ولا من باب الشفقة على حالها، ولكن ربما من باب التضامن، مليكة مزان ليست بملحدة ولا بعاهرة ولا بزنديقة ولابمجنونة ولا ولا..مليكة مزان إنسانة تؤمن بالله الخالق ... أكثر من مؤمني هذا الزمن، الذين أكلوا الغلة ونسوا الملة...وإن كانت كتاباتها إلى اليوم تبدو خارجة عن الملة فلأنها تعكس ملة هؤلاء الملاعين الذين لازالوا ينغصون عليها حياتها ...

خلاصة القول أن ليس في حياة مليكة مزان وحدها ملاعين، فحياتنا جميعا يتربص بها ملاعين من مختلف الأصناف والأوصاف ، ومحظوظ من يستطيع أن يحافظ على وعيه وسلامة عقله في حضرة هؤلاء الملاعين !




الأربعاء، أبريل 17، 2013

شاعرة تطالب الملك بتعلم اللغة الأمازيغية ومخاطبة الشعب بها


عن موقع جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية ـ حسن الأشرف
الخميس 11 أبريل 2013 - 14:25

مليكة مزان..

شاعرة أمازيغية راديكالية تكتب كلماتها بالعربية كما تطلق وابلا من الرصاص في كل الاتجاهات حتى كاد لا يسلم من شظاياه أحد..فهي تُقر بعلمانيتها الجذرية في كتاباتها وحواراتها ودواوين شعرها..لا تهادن ولا تستكين، ولا تعرف لغة الدبلوماسية خصوصا في كل ما يمس "شعبها" الأمازيغي كما تسميه.

قصائد مليكة مزان، القادمة من آيت اعتاب بجبال الأطلس المتوسط، انتحارية بامتياز حيث تُفجِّر القنابل في وجه كل من يقف في وجهها، فالشعر لديها ليس كلمات منمقة ومنظومة بشكل إيقاعي وطربي، بل خناجر مسمومة تدقها بلا شفقة ولا رحمة في جسد كل من تشم فيه رائحة تعاكس حقوق المرأة أو تخالف طموحات الأمازيغ.

مزان والأمازيغ والعرب

مليكة مزان اتُّهِمت غير ما مرة بكونها "مُلحدة" و"علمانية" من فرط الشحنة "الهجومية" التي تندلق بها أبيات قصائدها المتفجرة، فمرة قيل عنها كونها تسب الله والرسول، ومرة بأنها تهين الإسلام، أو تتلاعب بالسور القرآنية..غير أن هذه الشاعرة سرعان ما ترد على مثل هؤلاء مُهاجمة كعادتها: "هل لأنني أدافع عن فقراء الشعب إذا أنا ملحدة؟، نعم أنا في هذه الحالة أكبر الملحدات، وأنتم ماذا استفاد الناس من إيمانكم غير البسملة.." تقول مزان.

ولا تتردد هذه الشاعرة، التي يجدها البعض متعصبة في مواقفها إزاء القضية الأمازيغية، في مطالبة "الأسرة الملكية الحاكمة بتعلم اللغة الأمازيغية، والتحدث بها مع أفراد وجماعات هذا الشعب خلال كل الزيارات التي يقوم بها أفراد الأسرة الملكية لمناطق مختلفة من المملكة، وكذا في خطابات الملك، فبهذا وحده ستثبت النية الحسنة" كتبت مزان في صفحتها على الفايسبوك.

وبلغة أكثر جرأة تردف صاحبة ديوان "أنا وباقي الملاعين" مخاطبة الأمازيغ قائلة  :

" أيها الأمازيغ، لسنا في حاجة إلى أمير للمؤمنين بقدر ما نحن في حاجة إلى أمير للأمازيغ، أمير يحس بما يحسون ويتألم حين يتألمون! وتثور ثائرته حين يهانون! أما وأن النظام لا يفعل شيئا سوى التفرج من بعيد فإننا نعتبر أنفسنا، نحن الأمازيغ، يتامى هذا البلد، وشعبا بلا ملك ولا أمير.. حتى إشعار آخر" ، على حد تعبير مزان على حائطها الفايسبوكي.

وتهاجم الشاعرة ذاتها العرب بقولها :

"أفضل لو أن شعبي الأمازيغي بقي يعيش منغلقا على نفسه في أحد أدغال الطبيعة الواسعة الكثيفة مثل الشعوب البدائية، ذلك أفضل له بكثير من هذه الحضارة العربية الإسلامية التي يتجرع في ظلالها الويلات"، قبل أن تردف "مادام العرب قد أساءوا للإسلام لماذا لا يتنازلون عنه لنا، نحن الأمازيغ ، لنحسن صورته في عيون العالم ؟ ".

...

السبت، أبريل 13، 2013

الشاعرة مليكة مزان: لسنا في حاجة إلى أمير للمؤمنين ...

عن موقع : فبراير.كوم
الجمعة 12 أبريل 2013 الساعة 10:12

وجهت الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان رسالة إلى الملك عبر الفايسبوك، دعته من خلالها إلى تعلم اللغة الأمازيغية لمخاطبة الشعب بها، وقالت أننا في المغرب لا نحتاج، حسبها، إلى أمير المؤمنين، وإنما إلى أمير الأمازيغ الذي يحس بالأمازيغ ويتألم حينما يتألمون.

يقولون إنها ليست ديبلوماسية، وأنها أمازيغية علمانية راديكالية.. تتطرف في الكلمات وهي تتفنن في ترصيعها بالقوافي العربية! ويذهب البعض إلى حد وصف قصائدها بالقصائد الإنتحارية!

تكتب باستمرار.. تبدو كلماتها كحلم لكن سرعان ما تتحول جرأتها إلى كابوس أحيانا يقض مضجع الكثير ممن يرى أن كلماتها تتجاوز كل الحدود .

تقول :

ماذا ، لو جولة ً إضافية ً ، صالحنا الجسد على الجسدِ ؟!
فلنصالح إذاً الأجساد على بعضها !
لنصالحها ، فقد تنبت لنا أجنحة أحلى:
آهاً كم تصرخ أجسادنا في غياب جوعها إلينا !
كم في غيابنا تمتد أجسادنا صحراء كاملة !

تبدو مستفزة وهي تهاجم العرب ، ومتمردة وهي تخاطب الرجال ولا تتردد وهي توجه الإتهامات مثلما حدث وهي تحمل العرب وزر الإساءة للإسلام:

"أفضل لو أن شعبي الأمازيغي بقي يعيش منغلقا على نفسه في أحد أدغال الطبيعة الواسعة الكثيفة مثل الشعوب البدائية، ذلك أفضل له بكثير من هذه الحضارة العربية الإسلامية التي يتجرع في ظلالها الويلات"، قبل أن تردف :

"مادام العرب قد أساءوا للإسلام لماذا لا يتنازلون عنه لنا، نحن الأمازيغ ، لنحسن صورته في عيون العالم..؟".

وهكذا ردت على من وصفوها بالملحدة:

" رغم ما يروج عني من اتصاف بالعنصرية وبالفجور وبالإلحاد، فإني أقسم بالله العلي العظيم، ربي الذي في خاطري وفي صدري وفي ضميري، لا رب العرب والمسلمين، أن الخالق العظيم يحبني أنا مليكة مزان، وكما أنا، بل ويرفعني درجات أعلى من درجة بعض المرضى هنا بضعف النظر وسوء القراءة وشر التأويل! ومرة أخرى أقول لأصحاب كل الاشاعات الكاذبة عني: اتهاماتكم لا تخيفني وفتاواكم لا تحرك في رأسي شعرة واحدة، ومن يجب أن يدخل قفص الاتهام ويُدان هو : أنتم !!! لا ... أنا!

..متمردة هكذا تصف نفسها وهي تخاطب الرجل:

"ليس هناك ما يعكر حياة الرجل كامرأة ذكية، متمردة، حرة، قوية، مستقلة !

وتضيف بجرأة شعرية تثير من يتابعها على الفايسبوك:

" أنا لا يهجرني الرجال!
أنا أخونهم واحدا تلو الآخر مع .. شيطاني!
ثم أطردهم من حياتي كما تطرد الكلاب الجرباء!"

وفي سياق آخر كتبت:

خططت لأن يقتصر سريري على نبي واحد
فإذا عدد الأنبياء يفوق ما لدي من أسرة !
لم أكن أتوقع أن ديني بكل هذه الشساعة !

وتكتب:

بقمر ٍ ناضج ٍ أعدكَ
بشفتين ِ جائعتين ِ
بقصيدة ٍ سكرى
بطقوس عاشقة لا تهادن !

تمارس في شعرها السياسة بعيدا عن الأحزاب والحساسيات السياسية وهي تطالب في إحدى كتاباتها على الفايسبوك "الأسرة الملكية الحاكمة بتعلم اللغة الأمازيغية، والتحدث بها مع أفراد وجماعات هذا الشعب خلال كل الزيارات التي يقوم بها أفراد الأسرة الملكية لمناطق مختلفة من المملكة، وكذا في خطابات الملك، فبهذا وحده ستثبت النية الحسنة"

وبلغة أكثر جرأة تردف صاحبة ديوان "أنا وباقي الملاعين" مخاطبة الأمازيغ قائلة :

"أيها الأمازيغ، لسنا في حاجة إلى أمير للمؤمنين بقدر ما نحن في حاجة إلى أمير للأمازيغ، أمير يحس بما يحسون ويتألم حين يتألمون! وتثور ثائرته حين يهانون! أما وأن النظام لا يفعل شيئا سوى التفرج من بعيد فإننا نعتبر أنفسنا، نحن الأمازيغ، يتامى هذا البلد، وشعبا بلا ملك ولا أمير.. حتى إشعار آخر"

الخميس، مارس 14، 2013

مليكة مزان صوت شعري تجاوز عصره وتجاوز حدود المغرب


في سياق القراءات النقدية المواكبة للتجرية الشعرية لمليكة مزان ، تلك القراءات التي دشن لها نقاد مشارقة من سوريا والعراق ، هذه إحدى القراءات التي شرع النقاد المغاربيون ينجزونها إنصافا لهذه التجربة التي فرضت نفسها بالرغم من كل حصار رسمي محلي مضروب عليها .

بقلم الناقد الجزائري تنقالي عبد الرحمان

بما أن النص الأدبي تجاوز النقد عموما فإننا نجد الكتابات النقدية لا تضيف في أيامنا هذه الشيء اللائق بما يكتبه أدباؤنا وشعراؤنا ، كما أن القراءات قليلة ولا تبحر في النص الشعري كثيرا، ولا تخوض في سراديب القصيدة التي تبقى دائما أبعد بكثير في دلالتها مما نقرؤه من دراسات عابرة ، ومجحفة في حق أدبنا الجميل ، والشيء المحزن أكثر هو أن النقد أقل جرأة بكثير من النص في تركيبته الدلالية ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في عصرنا الحديث الحافل بأسماء مبدعة ...

يقودني هذا الحديث للإشارة إلى الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان ، التي أخص تجربتها الفريدة بمقالي هذا ، هذه الشاعرة الأمازيغية التي تجاوزت عصرها ، ولم ينصفها إلا القليلون . القصيدة لديها اعتلت عرش الجرأة والكبرياء ، بحيث أن معظم الكتابات النقدية لم تضف إلا القليل من الشأن لشاعرة بهذا الحجم ، وهذا يستدعي منا كنقاد الكثير من الجرأة لمواكبة نصوصها الشعرية الثائرة ...

لا أظن أبدا أن هذه الشاعرة تكتب وهي مستريحة على أريكتها القطنية ، وترتشف فنجان قهوتها في باحة بيتها الخلفية ، إنها فضلت الانتحار وتفجير الذات ، وهذا ما يدعونا لاحترام هذا الإبداع المتميز ، فالكتابة على حد اعتقادي هي موت من أجل حياة أفضل ، هي تضحية لقضية ، وما تكتب مليكة مزان يحتاج إلى وقفة خاصة وشحذ الكثير من الأقلام فأين نحن اليوم من الأدب الذي يناضل بشراسة من أجل قضية الإنسان ؟!

إن شاعرتنا بحملها لهم القضية الأمازيغية حملت على كاهلها قضية الإنسان أينما كان ، بعيوبه المفرطة وبمحاسنه الملائكية ، وقصيدتها ضربة سيف فاصلة بين القهر وحق الإنسان في حاجته لتحقيق ذاته .

إن الشاعرة لجأت لطريقة الكي في شعرها لمداواة هذا الجسد الذي اجتمعت عليه الآفات والرذائل ، وهذا قمة في العشق الإنساني ، إن القصيدة التي لا تثير الزوابع يحكم عليها بالموت ، أما قصيدة مليكة مزان ينطبق عليها قول المتنبي

أنام ملء جفوني عن شواردها      ويسهر الخلق جرٌاها ويختصم

إنها شاعرة من طينة خاصة في أصالتها ورفضها وتمردها ، وهي تحاكي الخلود رغم جحود الجاحدين ومحاولة خنق هذا الصوت الأمازيغي الجبلي ، الذي تجاوز تلال آيت أعتاب ، وتجاوز حدود المغرب .

يصفونها بالعهر لأنها عكست عهرنا ، لأنها امتدادنا المفضوح ودليل قبحنا الواضح ، ولن يفيدنا الإنكار، لقد اختارت التمرد على الدربكة والتهليل ، وأطلقت صوت الرفض عوضا عن الزغاريد والرقص مع أنغام الموسيقى الماجنة .

يواكب النقاد الموجة ويهتمون بتراثنا ويعرضون عن أدبائنا الأحياء ، لأن الأدب أصبح يخضع لقوانين العرض والطلب ، وتحكمه الصفقات والمتاجرة ، والنقد الحي يعد سباحة ضد التيار وطيرانا خارج السرب ، لذلك نجد القليل من أدبائنا ونقادنا من اختاروا الطريق الشاق لاعتلاء القمة وليس السقوط إلى القمة .



الجمعة، مارس 01، 2013

مليكة مزان صوت شعري نسائي محشو بالبارود


رؤية انطباعية حول شعر مليكة مزان
بقلم الشاعر الجزائري تنقالي عبد الرحمان

نقطة نظام من مليكة مزان :
أشكر الأستاذ تنقالي عبد الرحمان جزيل الشكر على التفاتته الكريمة لتجربتي الشعرية ، لكني أعتذر له وأتحفظ على تسمية " عربي " أينما وردت في مقاله احتراما مني للمشاعر القومية والوطنية للأغلبية الساحقة غير العربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، وأضع كلمة عربي في مقاله بين مزدوجتين .

نص مقال الأستاذ تنقالي عبد الرحمان :

كنت ولازلت أكره المجاملات وإظهار الولاء للكثير من الأدباء ، لأنني كقارئ ومبدع أهتم لما يكتب دون مراعاة كبيرة لمن يكتب ، فإظهار الولاء يأتي عندي في المرتبة الثانية، لكن للأسف الشديد أن " وطننا العربي " صنع أدباءنا إعلاميا وإيديولوجيا، ولم يرع صوت المتلقي وحاجته الحقيقية لما يريد استهلاكه ثقافيا وأخلاقيا ، فهل أصبح الأدب صناعة وسياسة تحددها مؤسساتنا ، بحيث يستبعدون رأي المتلقي ويلقون برأي نقادنا الحقيقيين عرض الحائط ؟!

شاعرتنا هي مليكة مزان ، أعلنتُ لها الولاء من قراءة أول قصيدة ، هي صوت متميز وواعد بهذه التجربة النادرة، والتي تبعث فينا الأمل بأن الأدب ما زال بخير، وأن صوت الهامش سينتصر ويكون في الطليعة ذات يوم .

إنه صوت نسائي صارخ محشو بالبارود .. يرفض التعليب والتحنيط ، جاء ليكسر أقفال القمع والتهميش ، إنه صوت يشبهنا ويعبر عن آلامنا ويحررنا ، لذلك تبنيناه بتمرده وبجنونه ، بتدينه وكفره ، بفضيلته واشتعاله بالفضيحة .

من الجميل أن يكون للشاعر قضية وللشعر جرأة لتجاوز الحدود وكسر الطابوهات ، والشاعرة مليكة مزان مثال حي لذلك الجنون العاقل وهذا التمرد الإنساني الذي نتفاعل معه ونتقبله بكل وعينا للقهر الذي يعيشه " الإنسان العربي " عموما .

ما جلبني في قصائد الشاعرة هو ذلك التفرد الذي تحمله القصيدة ، فالجديد صارخ وثائر في تركيبة فكرية غير سابقة ، وكوني شاعر فأنا أقدر كثيرا هذا التميز، ولا أستطيع إلا أن أقول أن تجربة الكتابة عند مليكة مزان هي تجربة فريدة ، تخرجنا من القمقم ومن منطق الاستسلام والرضوخ ، فنجد القصيدة مدهشة ومتفجرة وعميقة في دلالاتها ، تدفعنا للتأمل في ذلك البعد البلاغي للكلمات ، وكذلك لفكرة القصيدة في حد ذاتها.

كل القصائد عالجت أفكارا جديدة وغير مستهلَكة ، وهذا ما شدني إلى كل الكتابات ، فالشاعرة لا تعيد نفسها ، هي بكل بساطة مليكة مزان صاحبة المفاجأة ، تحاكي غضبنا وثورتنا في غير تكلف ، وتجسد نمطا إبداعيا من نوع خاص يجعلنا نتجاوز الخطوط الحمراء ، ونسافر عبر الكلمات في رحلة غير منتهية ، في قصائد جاءت بأسلوب سردي وكأن الشاعرة تروي لنا قصة ، فهي تشدنا إليها وتدفعنا إلى إعادة القراءة من جديد .

كانت هذه نظرة انطباعية بسيطة ومتواضعة في شاعرة متميزة ، ومن حيث بدأت سأنتهي بقولي أنه علينا إعادة توزيع المراتب والأولويات ، في زمن تهميش الأحياء ، فإن الكتابة وجبة ساخنة ، و" الإنسان العربي " يحسن فن التذوق .


الخميس، فبراير 28، 2013

أثافي البوح : تخطيطات حول شعر مليكة مزان


بقلم الناقد المغربي مبارك أباعزي


تعتبر مليكة مزان من الأقلام النسائية ذوات الباع الطويل في التمرد على أقانيم المجتمع المحنطة ومقدساته الزائفة. هذه المرأة الأمازيغية أرادت لنفسها أن تكون الصدى الذي يعكس صوت الهامش وتمرده، والقلمَ الذي يكتب صرخة الشعب وحرمانه، و"النهد" الذي يرضع الشعرَ ثورته.

إن من يتأمل أشعار مليكة مزان سيجد أن الشاعرة تسعى بخطى حثيثة غير متعجلة لتشكيل نص ذي تيمة مخصوصة، ولعل فرادتها تكمن في اختيارها لتيمة ربما كانت تدخل ضمن اللامفكر فيه؛ فإذا كانت موضوعة البحر مهيمنة في نصوص "حنامينة" ، والسجن والصحراء في نصوص "منيف" ، والقضية الفلسطينية في أشعار "درويش" و"سميح القاسم" ، فإن الموضوعة الأساسية التي تطفح بعبقها نصوصها هي موضوعة النهد الأمازيغي.

ولعل هذا ما يجعل نصوصها تمتاز بخصوصية الرؤية الأمازيغية إلى الأشياء؛ يمتزج الديني بالجنسي في كثير من الأسطر الشعرية وكأن بينهما صراعا من نوع ما، تقول مثلا:

"مضاجعة الفكرة بديلا عن أيما رب".

وهذه الطريقة في الخلق الشعري تصل باللغة إلى ذروتها البلاغية، ذلك أن الصورة الشعرية ليست عدولا عن اللغة العادية كما هو سائد في نصوص الحداثيين ، بل إنها عدول وانزياح عن اللغة المجازية نفسها في صيغتها التقليدية. لهذا تظل المعاني بعيدة وتحتاج لتقريبها إلى الكثير من التأمل الدلالي في العلاقات بين الكلمات والعبارات.

تحاول مليكة مزان أن لا تكبل قلمها بقيود الكتابة الشعرية التي تخنق القوة الإبداعية للشاعرة، فهي حمامة تغرد في وضح النهار وترى الأشياء بعين الصفاء، وتقتحم كل الأصقاع وتطرق كل الموضوعات دون خشية سطوة الأنا العليا، بدءا بموضوعة الدين، مرورا بالجنس، وصولا إلى السياسة .

بل إن نصوصها في حد ذاتها ثورة على تقاليد الشعر نفسها !

هكذا تكون الشاعرة في غير ما حاجة إلى التقيد والحذر لحظة الخلق النصي والنقدي للخطاب الديني، لهذا نجدها تتناص مع النص القرآني من خلال التلميح والمحاكاة الذكية ، محاولة بذلك تهشيم الصورة النمطية التي كرسها التاريخ الشعري العربي منه والمكتوب بالعربية؛

تقول مثلا :

"سبحان أنثاي وتعالت عما يرومون"،

وتقول أيضا:

"أشهى الأرباب من إذا اتخذ غير الأنثى دينا لا يقبل منه".

ومن الأكيد أيضا أن الجنس يستفحل في نصوص الشاعرة إلى حد كبير جدا، ويعود هذا لا محالة إلى القداسة المفرطة التي غلف بها منذ بداية البشرية، واستمر ذلك مع بعض الشعوب، خصوصا منها الشعوب الإسلامية.

هذا الاستفحال هو الذي يضفي على نصوصها طابعا خاصا وذوقا مميزا؛ فها هي الأنثى تتجرأ للمرة الأولى لتغيير مفاهيم الجنس الذكورية وتقول إن النهد هو "اليقين فلندخل فيه أفواجا".

أما ثيمة السياسة فمدخلها الأساسي هو القضية الأمازيغية ، فقد ظلت مليكة مزان الشاعرة الوفيةً للقضية التي أدار لها الجميع ظهورهم وتولوا قبلة المشرق واللغة العربية ليتمكنوا من نيل بعضٍ من حظوة سردية أو سلطة ثقافية.

تقول مثلا عن المقاومة الأمازيغية:

"نهدي لآلهة الزنا
حجر ناري بين خصاها
بركان أمازيغي بلا خضوع".

كانت هذه بعض التخطيطات حول نصوص مليكة مزان الشعرية التي تلخص الثورة والتمرد المتجليين في وضع اليد على ثلاثة أثاف للبوح غالبا ما يتعرض صاحبها للمنع والمصادرة والاستبعاد.

ولعل ما يجب الإشادة به في ما يتعلق بنصوصها الشعرية هو جرأتها الكبيرة التي تجعلها قدوة لكل النساء اللواتي يشعرن بالقهر ويرفضن الرضوخ لمنطق العنف .

الاثنين، فبراير 25، 2013

قراءة في ديوان " لو يكتمل فيكَ منفاي" للشاعرة الأمازيغية مليكة مزان


بقلم : إدريس العمريني
أستاذ اللغة الأمازيغية وباحث بماستر الكتابة ومهن الكتاب

قبل أن تكون "مليكة مزان" شاعرة فهي مناضلة راديكالية حد الجسارة، الشيء الذي نلمسه ونحن نهيم في وادي شعرها المعتق بنبيذ الجسد العاري والكفر المعلن والتمرد المقصود ضدا على سياسات التفقير والتجويع التي تطال وطنها "تامازغا"، وكل ذلك وهي الرافعة لشعار :

لتكون تامازغا أولا تكون !

( من قصيدتها : " في استفحالي أحبك أكثر " )

كيف لا ومنبتها جبال "أزيلال" الممتدة في جبال الأطلس الكبير بالمغرب العميق ؟!

كيف لا وكل أنواع الحرمان والتجويع واليتم تطال الأمازيغ هنا وهناك ؟!

إنها صرخة أنثى متمردة تنشد تغييرا جذريا يكون فيه مقام الأنثى مثل مقام الرجل، ويصبح فيه اليتم والجوع في أقاصي الجبال دفئا وشبعا في الآتي من الآمال المنشودة في حاضر الوطن "تامازغا" الممتد من المحيط الأطلسي غربا إلى واحة "سيوا" شرقا ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الحدود المجالية للطوارق جنوبا .

إن للشاعرة نظرة ورأيا خاصا لحل كل المشاكل التي ترتبط بالإنسان الأمازيغي أينما حل وارتحل بأن " تكون تامازغا أولا تكون" ذاك الوطن المعشوق عندها، تتطلع إليه بكل ما تحمله من جنون الوله والحب في قولها :
...

وأذكر نشوتكَ وكيف اشتعل دمي
حرائقَ ، وحدائقَ ، وفنونْ !
آيتكَ صرتُ :
أعشق الوطن أكثر وأسمو في جنون !

( من قصيدتها : " في استفحالي أحبك أكثر" )

فما سر هذه القوة وما كنه هذا الجنون في حب الوطن / الحلم " تامازغا " ؟!

تظل الأم حاضرة في قصائد الشاعرة "مليكة مزان" ، ووصاياها مشكاة تهتدي بها في ظلمات الدروب وتستمد منها نور القوة الذي لا يندثر.

تقول الشاعرة :

طبقا لوصايا أمي أحبكَ أكثر ،
لا كما أحبتكَ أغنية من بعدي
أحبك أكثر !
أحبكَ فسجل أني أقوى من كل اندثار !

( من قصيدتها : شبيها بهذا الشجر كنتَ )

فالأم حاضرة في شعر "مليكة مزان" ، وهذا الحضور يأخذ أبعادا رمزية، فتارة تعتبرها مرجعا أساسيا لسياسات الرفض لديها وتارة أخرى تعتبرها خطيئتها بتمردها على الرب !

والأم بهذا المنحى رمز للوطن الحلم "تامازغا" الذي جعل من الشاعرة رافضة متمردة على كل أنواع اليتم والجور والحرمان والتجويع .

تقول الشاعرة :

رقصة ٌ من أعالي الرفض
ونتماهى في ضمة هي كونُنا الأثير ُ
ونتصاعد نشيداً من قِـدم الحنين ِ :
نعم .. لنداء الروح فيك َ
نعم .. لاشتعال الجسد ِ
ما ديني فيكَ غيرُ عمق شهيِّ الطفولة !

( من قصيدتها : " عرس أنت على مقاسي الأعالي " )

فالشاعرة تنشد هاهنا الكون الأثير للوطن " تامازغا" عبر أعالي الرفض حين يمزج برقصة يحدث التماهي ، مما يظهر هذا التفاعل الحاصل بين ثقافة الشاعرة المتمثلة في التراث الأمازيغي العريق ، عبر نوستالجيا يخلدها النشيد المتصاعد من قدم الحنين للوطن "تامازغا"، من جهة وبين سياسة الرفض التي تشنها حملة ضدا على سياسات التجويع والتفقير واليتم والتسلط الممنهجة من جهة ثانية .

وكلها مناح ترسخ مبادئ الشاعرة حتى تقاوم أي انطفاء قد يغتال اشتعال الجسد ، أو أي قمع قد يخرس نداء الروح . فانطفاء أولهما وخرس الثاني لا يعني إلا الخنوع والاستسلام لقضية تحرص الشاعرة كل الحرص أن يصمد وهيجها متقدا أمام كل محاولة للإطفاء كما تحرص أن تبقى مدوية ضدا على كل قمع.

هذه الرقصة الأسطورية التي تنشدها الشاعرة "مليكة مزان" عبر عملية التماهي تلك، تظل أسطورة مجردة من حضورها الحقيقي في الوطن الحلم " تامازغا"، لتستبشر الشاعرة بالعرس المنتظر الذي وحده ما ستتحقق فيه رقصة التماهي تلك ، وفي المكان الأثير "لإملشيل" ، وبه فقط تصبح أسطورة الرقصة حقيقة حاضرة ـ لا حقيقة مجردة ـ بفعل هذا التماهي مع أسطورة "إسلي" و "تيسليت" في أعالي الأطلس الكبير بإملشيل حيث الاحتفاء بموسم الخطوبة ماضيا كان ، وحيث سيكون العرس المنتظر "لإسلي و"تيسليت" متوجا برقصة التماهي في "إملشيل الحب" ، ومعه تتوج "تامازغا" وطنا كائنا يكون، لا وطنا في خبر كان !



الثلاثاء، يونيو 29، 2010

قراءة جديدة لقصائد مليكة مزان

بقلم الناشط الماركسي العراقي المغترب : جمان حلاوي

تنتمي الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان إلى ذلك النوع من النساء الذي لا ينفك يبحث ويبدع ، يثور وينتصر ، منتزعة الحقيقة من كذب الفاسدين عنوة ، أولئك الذين طالوا كل أزمنتنا ...

دعونا
من كل أزمنتنا :
من فساد الملوك
من هلاك القرى
من سيرة النبي
من موقعة الجمل
من حروب الردّة
من آخر الغزوات

لتختمها :

وأصنام الكعبة إنـّا لمتعبات

(من قصيدة تحمل اسم نفس البيت )

فالكلام عن التاريخ العربي المشوش والمصنـّف لملوك أرادوها هكذا فوق أجساد الهالكين وبكاء المتعبات من هول جحيم السلطات وفساد الملوك ، هي دعوة للنفور لأناس عزّل ، وكلام عن الحب في أمكنة وأزمنة آمنة :

" دعونا
من كل أزمنتنا
دعونا
من كل أزماتنا"

فالأزمنة التي نعيشها هي أزمات حقيقية :

فذاك ربّ الكعبة الذي كان ومايزال صنما يعبد ومذبحا للسعودية التي استعبدت أبناءها ومازالت تقمعهم وتزجرهم قسرا للصلاة من خلال ضربهم بالعصي ليغلقوا دكاكينهم ، السعودية التي تمنع اختلاط الجنسين في شوارعها ومتاجرها وجامعاتها لأن المرأة عورة في عرفهم ولأنها من أغوت آدم المسكين ورمته إلى قعر الرذيلة ..

وتلك بيوت فقراء السعودية المعدمين المقهورين المبنية من الصفيح وجريد النخيل والتي تفتقر إلى أبسط حقوق الإنسان وسط بهرجة قصور وجواري آل سعود الذين بنوا مجدهم على العمالة و اللصوصية والتذلل للإنكليز..

آل سعود الذين تاجروا بالرقيق الأبيض ...

آل سعود الذين غسلوا عورات الأجنبي بالتالي يغسلون الكعبة ، يا له من دين رخيص ! فلم تعد هناك :

" من جنات
لا هي دانية قطوفها
ولا نحن بما
يجري تحتها من أنهار
بموقنات "

ألا يكفي هزءا بمشاعر وضمائر الناس ورياء أن تستبعد الشاعرة مليكة مزان من أمسية شعرية كونها قد شاركت في مؤتمر ضد الحقد والكراهية بين الشعوب ولو كان في إسرائيل ؟!

ألم ترفع كل الدول العربية علم إسرائيل ولو تحت جلابيبها ؟!

من علّمنا طعم أكل السجون ؟!

من لوّن أعيننا بسخام جدران السجون ؟!

من دفأنا من برد بلاط السجون غير أغطية السجون النتنة ؟!

أليس هم من يسمون حكاما "عربا" ؟!

من كممّ ولم يزل يكمم أفواهنا ؟!

من شرد مفكرينا في أصقاع العالم ؟!

أليس هم الطلقاء خونة الحقيقة والفكر ؟!

" إن الله مقيم فينا
يحارب الحب
بكل ما يبتكر من جحيم "

لم أقرأ جملة تصف الإرهاب العربي الإسلامي غير هذه الأبيات العظيمة من قصيدة مليكة مزان ( رأيت في ما ترى الثائرة ) .

نحن نحارب الظلم والقمع والاضطهاد والتشريد في إسرائيل وغيرها ، ولكننا ساهمنا في زرع الحقد والكراهية بين الشعوب وإن كان الشعب اليهودي والفلسطيني من خلال إرهاب حماس وحسن نصر الله لأهلِهم قبل محاربة إسرائيل في تدمير لبنان في حرب لا معنى لها ، وحصار أهل غزة من خلال الأعمال الصبيانية القسّامية لحماس !!

يكفي رياء وكذبا .. فشواطئ دول الخليج وشواطئ البحر الميت الأردني ملآى باليهوديات المستلقيات يتشمّسن ، بل وحتى أفواه الحكام المصريين قد جفّت من كثر ما قبّلت حكومة مصر أيادي الساسة اليهود ، ملعونون إلى أبد الآبدين أنتم أيها الزناة :

خمسون سنة
وأنا أشرب نفس الشاي
خمسون سنة
وأنا أقيم نفس الصلاة
خمسون سنة
وأنا أبايع نفس الزناة

( من قصيدة : حول سريري كلهم متشابهون)

هل أستمر في الكلام أم أصمت ؟!

هل تريدونني أن أصمت ولساني الذي ما انفك يدقّ باطن فمي يريد الكلام ، يريد رفع النقاب عن المسكوت عنه ؟!


أنتم من يتهم الآخرين بالإرهاب والتشريد .. هل سمعتم عن إرهاب جاء خارج نطاق الإسلام ؟!

من هم طالبان ومن هم القاعدة ؟!

من فجر مترو مدريد وناطحتي سحاب المركز التجاري العالمي ؟!

والفنادق والسيارات المفخخة ؟!

وممارسات حماس الارهابية ؟!

وتصدير الأفكار العوجاء لحكام إيران الإسلامية قسرا ؟!

وقمع الشعب الإيراني الحرّ الأبيّ تحت راية ولاية الفقيه المفروضة قسرا والتي سالت بسببها دماء الأحرار من الشعب الإيراني ؟!

أنتم يا من حاربتم مليكة مزان وسعدي يوسف وأدونيس والدكتورة الكويتية ابتهال الخطيب وغيرهم من المثقفين ..

هل لأنهم قالوا كلمة حق ؟!

هل لأنهم مسّوا إسلامكم المغلق ؟!

هل أنتم بمسلمين ؟!

أنا في شك من ذلك أيها الطلقاء يا حكام العرب :

"حتى يصير الربّ
على شيء من الهدى
لكم أيها الطلقاء واسع الخطاب "

( من قصيدة : هذي ملوككم اسألوا كبيرها )

ليس لي إلا أن أنحني للسيدة مليكة مزان فكل يوم أكتشف فيها ملاكا جديدا وجيفارا آخر .

jumann59@yahoo.com

السبت، مايو 08، 2010

مليكة مزان الشاعرة التي هزت عرش الشعر في المغرب

بقلم أحمد برطيع *
ـــــــــــــــــــــ
تزخر التجربة الشعرية المغربية بالكثير من القامات الشعرية النسوية الكبيرة والمبدعة، وكباقي الميادين الإبداعية يخضع هذا المجال الإبداعي للاحتكار حتى أنك لا تكاد تسمع إلا أسماء معينة في الملتقيات الثقافية، لهذا أردنا أن نسلط الضوء على شواعر مكثت طويلا في الظل، ليس لضعف قصيدها بل لتعففها .

في إحدى أماكن الظل وجدنا الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان تقول " أمي يعجبها عشق الغرباء " ، وكلمة الأم هنا توحي بالانتماء للأرض ، بالأصل الأمازيغي للشاعرة .

عند قراءة دواوينها تجد نفسا غريبا يشدك إلى الاستمرار في القراءة بنهم .

ذكرتني هذه الشاعرة بامرأة أخرى : الشاعرة النارية ، الفارسية التربية والخلق والثقافة ، والمنبوذة من طرف مجتمعها الذي لم يكتشف نبوءتها الشعرية إلا بعد رحيلها بعقود .. إنها الشاعرة العاشقة ″ فروغ فرخزاد ″ ، لها العديد من الدواوين الشعرية الجريئة والمتمردة على الملك شاه إيران .

تقول الشاعرة الإيرانية ″ فروغ فرخزاد ″ في إحدى رسائلها إلى صديقها القاص الإيراني ″ إبراهيم كلستاني ″ بعد حفل تكريمها : ( بين هؤلاء الناس المختلفين ، كم أنا وحيدة ، أحياناً تتمزق أنفاسي حزناً ... إحساس خارج دائرة الوجود وجريانه يخنقني… ليتني ولدتُ في مكان آخر ، مكان قريب من مركز الحركات والارتعاشات الحية )

تواصل نقل وجعها بقولها : ( واأسفاه… أكان علي أن أتلف عمري وقدرتي كلها فقط وفقط من أجل حبي للأرض واعتناقي لذكرياتي في الحظيرة المترعة بالموت والاحتقار والعبث ؟! هذا ما فعلته حتى الآن. أقارن ذلك التدفق الحي الذكي… أية قدرة يتقدم بها إلى الأمام ليوقظ الاشتياق إلى الإبداع والخلق . )

من شدة التزامها وحبها للأدب الجاد والنقي ترفض احتضانها من طرف المؤسسات الثقافية المشبوهة في إيران تقول ″ فروغ فرخزاد ″ : ( رأسي ممتلئ ظلاماً ويأساً. وأتمنى الموت. أموت ولا أضع قدمي في مؤسسة فارابي (مؤسسة سينمائية إيرانية لا زالت موجودة) ، ولا أرى مجلة ( ... ) ذات الرسالة الساقطة ، والتي لا تساوي خمسة ريالات ... )

والمرأة الثانية الشبيهة ( مليكة مزان ) شاعرة أمازيغية بلسان عربي فصيح ، فلتة جنونية في الشعر المغربي ، مازالت حية تصارع نكران أهل البلد وجحودهم من المبدعين والشعراء وبيوت الأدب والحكمة ، وتصارع الظلام المحيط بها، تقول مثلما قالت فرخزاد:
’’ وجهي ..
لا .. تسقطه ُ الصفعاتُ ،
قصائدي ..
فؤوس .. اقتلاعْ ،
رقصاتي ..
مضمونة ُ المقاصلْ ! ’’
في سحنتها الكثير من الحياء المغري بالجدل، متوسطة الطول، عذبة الروح ورائعة الشعر،
هي من تخوم المغرب غير النافع، من آيت اعتاب قرية احتوت كل الناس الطيبين، قرية تلامس بني ملال المدينة التاريخية التي كان قدرها أن تنجب امرأة انقلابية .

عندما تضحك تتفتق شفتاها عن أسنان بيضاء مرصوصة بعناية ، عندما تحادثك لا تثبت يديها، وكأن بها مس من الشعر، تستمع، متوجسة مما تقوله، ثم تلقي برأيها صادما كارتطام البحر بالصخر !

مزمجرة، هادئة، أحيانا، شاعرة دائما، محاصرة أبدا، كتبت، ويا ليتها كتبت منذ زمن، حين كان المد أحمر .. اسمها أيقونة الأحرار في بلاد الأمازيغ وكنيتها رسولة عشق بين البشر !

شاعرة هزت عرش الشعر في المغرب ، لم ينتبه لها أحد، تشعر دائما بالغبن والجحود من لدن أناس اعتبرتهم رجالات قضيتها، قبل الغدر ...
تصبح غالبا وحيدة ، تسعفها دائما أنغام موسيقى الأطلس التي تلملمها في بيتها الأنيق .

مربية تمردت على الأدب ، وغاصت في بيوت الشعر العميقة ، وأفرزت أجمل ما أذكرها به :
" قبل أن تحن إلى نهدي ..
تبين أولا ملامحَكَ بين الجثث ْ ! "
على رغم وجود نساء في الأدب المغربي، تبقى مليكة مزان المتمردة الوحيدة الخارجة عن الصراط المستقيم للطاعة والخنوع والاستلاب . تعتبر شعبها شعبا حرا كما يسمى ولكنه لا ينتج الآلهة ، بل هو تابع عن تابع عن تابع ...

أمازيغية المنبت والأصل، ضحت بكل شيء، حتى الرفاه الذي كانت تنعم به .

قصائدها محرقة كالصواعق، ونافذة كالسلطة والحب والرذيلة ...

تقول ذات قصيدة أثقلتها بعنوان رهيب : ( أمي يعجبها عشق الغرباء )
’’ لو فجرتُ القصيدة َ ..
لتحررتُ مقدارَ .. قرية وحانة
ولكن أمي يعجبها عشق الغرباء ! ’’
رغم بلوغ دواوينها العدد السادس والسابع القابع في أحضانها، في غياب عرفان من البلد ورجالات القصيدة ، لم ينتبه إليها أحد، إلا ما كان من أحبائها وعشاق شعرها، والسبب دائما، ميز أو تمييز ضدها، لأنها ترفض أن تلقي بسحر قصائدها في كنف نعوت اعتبرها غريبة، وتقول دائما: أنا شاعرة أمازيغية .

تكتب، ولو قدر لك أن تقرأ قصائدها الممنوعة حسبتها النبي بصيغة المؤنث ، هكذا انتقمت من كل الذكورة في قصيدة صاغتها لأرض ارتضتها أرضا لها ، وعانقت البلاد بسوابق من ملفها النقي ، وهاجمها عتاة الليل ، كما يفعل بالكبار، قالوا عنها، والأصح أن يقولوا في قصيدتها : ″ أنها عاهرة ″ ، وهي لا تنفي التهمة عن القصيدة، وتتعفف في شخصها عن النعت، وتقول: أنا شاعرة أمازيغية دائما .. هكذا تذكر الكفار بشعرها..

تحتفل ، أيما احتفال ، بحريتها التي كبلتها لدهر، ودهرين، و أدهرة غابرة في كنف عافته من عفونته وجحوده وتسلطه، لا لشيء إلا لأنها قالت : أنا الشاعرة ... !

دواوينها كل ديوان بمحنة : المحنة الأولى خيانة العشيرة، والمحنة الثانية جرح ورذيلة، والمحنة الثالثة قلة حياء الجميلة، والمحنة الرابعة سر في خميلة، والمحنة الخامسة قالت : أنا القتيلة، والمحنة السادسة أدفن في آيت اعتاب القبيلة وموطن الأب المحارب القديم والخالد دوما في الذاكرة ، ومحنتها السابعة كلام للملاعين تقول فيه:
″ بحاجة أنا ..
إلى فضيحة من وزن عشقنا
للعصافير
تكشف عن سرنا
للأشجار ِ ، للأنهار ِ
للمروج ِ ، للفصول ِ،
لأقسى الأرباب ، لأبعد النجوم ْ !
بحاجة أنا ..
إلى حبكَ .. ثقافة ً وجنسية ْ ،
إلى حضنكَ .. خريطة ً ووطنا َ !
بحاجة أنا …
كي أعود إلى ربي
راضية ً مرضية
وتكون لي
غلمان الجنة ِوأزاهير الجحيم ْ !″
رغم قوة شعرها، وعدالة قضيتها، التي سخرت شعرها لخدمتها، لم تنل الشاعرة مليكة مزان مكانتها بين الشواعر المغربيات، وذلك بسبب انحسار إشعاعها وتجاهلها من طرف الملتقيات الأدبية التي تقام في المغرب، و إقصائها من طرف المنظمين، بسبب احتجاج الشاعرة المتكرر على الصيغة التي يقدمونها بها كشاعرة عربية، ملحة على أنها شاعرة أمازيغية ناطقة بالعربية .

لا تفوت الشاعرة نشاطا ثقافيا يهم الثقافة الأمازيغية، وتبادر دائما بالتصريح بمواقفها بكل جرأة ...

لا يحتويها الخجل عند الكلام عن الشعب المغربي الذي تعتبره أمازيغيا ...

يؤاخذون عليها امتهانها العهر في القصيدة، وفي جوابها على سؤال بأية لغة تصرخين قالت وكعادتها: ″ منذ أن فقدت ثقتي في الصلاة عامة، وفي إله ودين العرب، صرت أصرخ بلغات ثلاث لا رابع لها: القصيدة العاهرة، كسر أواني المطبخ، البصق حولي كلما عضتني قسوة الأشياء أو أفقدني صوابي خبث المكان واللحظة والآخر الكريه ، أقول الكريه لسبب واحد: قسوته وإصراره على رفضه لي، وجحوده لحقوق شعبي وأرضي في الوقت الذي يتمتع هو فيه وقومه/عصابته بكامل اعترافي) ! ″

أليس هذا ما قالته ″ فروغ فرخزاد ″ القتيلة حين كتبت :
″ أبدا ما تمنيت أن أكون نجمة في سراب السماء
ولا شبيهة بأرواح المصطفين
أو جليسة للملائكة..
أبدا.. لم أكن منفصلة عن الأرض
لم أتعرف إلى النجمة.
على التراب وقفت
بقامتي مثل ساق نبتة
تمتص الهواء والشمس والماء
لتحيى ″
لكن، وبإلحاح، هل لم يبق أمام الشاعرة القاهرة من سلاح غير قصيدة العهر ، أم أنها أرادت أن تقول أن حتى اللغات المقدسة "فاسقة" وأن في لغتها المنسية ما يكفي من الطهارة ؟!
ــــــــــــــــــــــ
أحمد برطيع : كاتب صحافي وناقد أمازيغي

السبت، مايو 01، 2010

قراءة مرآوية لأدب مليكة مزان / عبد الوهاب المطلبي*

لعلي أجد أنَّ الإبداع ليس له جنس أو دين أو مكان أو زمان ذلك ما علمني إياه شعر هذه الشاعرة المغربية .. ولعلها فيروزة ممجدة في الأدب النسوي المغربي .
قد كتبت عن الأدب النسوي المغربي إذ تناولتُ إحدى قصائد الشاعرة المبدعة ″ نجاة الزباير″ وقد اتخذت ْ سبيلَ الأدب النخبوي لمعظم قصائدها الشعرية .. وأعجِبتُ بالقاصة المبدعة المغربية ″ بتول المحجوب ″ وقد تناولتها أيضا بقراءة مرآوية ، وكانت لها نكهة الصحراء وما يميزها من أدب الثورة والافتراق المر .
أقف الآن خاشعاً أمام قصائد شعرٍ مميز ، له نكهة افتراق الحمائم واحتراق الياسمين وتعري الينسون فوق جسد التاريخ بفخذيه الماضي والحاضر ... وسيكون موضوعي قراءة عاشقة لقصيدة مليكة مزان ″هذي ملوكُكم اسألوا كبيرَها !″ :
تبدي الشاعرة ُ سخطها على الوجود العربي الإسلامي ...الذي أخفق أن يكون شعاعاً حضارياً ، وربما كانت وريثة نهج وعاظ السلاطين الذي قدم الإسلام وسيلة ميكيافيلية للشعوب التي سادها الانتشار الإسلامي ليس على أساس النضال الإنساني وإنما قدم لها هوية الطلقاء الذي عرف نفسه بأنه إسلام الجواري والتعصب القومي...
فالحكام نواب الله في الأرض ... يسرقون قوت الفقراء ، ويمجدون هبل الذي ارتدى عباءة الإسلام ...
كان إحساسها بأن هذا الرب لم يهبط من سماواته إلا لكي يفوض السلاطين على فرض الظلم ... إن اختلاط لغة الألوان قادها إلى أن العباءة لا تجيد تغطية عاهات مثل هذا الرب المفروض قسراً على سماوات أحلام الإنسانية ... فكان قلم مليكة مزان يقطر الحبر الناري الرافض لكل أنواع العبودية ... !
إنها تجيد توظيف الصدمة من خلال اللغة الكائن التي هي أيضا تستشرف البديل عن إيقاع الوزن العروضي ... أي أن الوزن الشعري في نظرها ليس إلا سلاسل كان يلعب بها هبل المخفي بعناية في جلباب الأمير أو الخليفة الذي رفع المصاحف كتفويض ساخر لإعدام ا لمشاعر الإنسانية ، فتقوى مثل هذا الرب هو احتفالية بعذابات البشر ... لذلك أرى اختيارها لقصيدة النثر تأكيدا لميثيولوجية ثورة الكلمات .
إن حداثية الوعي الذي تعتقده هو من يعطي البعد الفني لشعرها واختيار الإيقاع المنبثق من حرارة المفردات والاستعارات النارية بدلا من الارتماء في دفء التقليد والمحاكاة التي ترفضها مليكة مزان...
لعلها تجيد ترتيل إنجيلها الخاص الذي يمنحها حرية الإرادة الثائرة .. وحين ترفض الخروج من النص الثائر تؤكد أن تجربتها الشعرية اختيار واع ٍ لبصمة رافضة التناغم الهرموني الإيقاعي ، متبنيةً بنيوية أخرى في توظيف الدفق الكونتراس إن صح التعبير ، وكلماتها هي الأخرى كائنات مرآوية حيث يحمل الجزء منها فضاءات كلية على إيقاع موسيقي آخر :
″ حتى يصيرَ الربﱡ ..
على شيءٍ من الهُدَى ..
لا ربﱠ تقـواهُ أنا ،
أنا التي أعلنتـُها
قصائدَ لها بصمتها !
***
لا نص خارج النصﱢ
قد تبين الشعرُ من الغيﱢ
هذي ملوككم اسألوا كبيرَها !
***
حتى يصيرَ الربﱡ ..
على شيءٍ من الهُدَى ..
لكم أيها الطلقاءُ واسعُ الخطابِ ،
ولي ما لا يتسعُ لغير بصماتي :
جمعة ً ، جمعة ً ..
أقضم الفاكهة َ التي ..
حرامٌ قطفها ،
أما الربﱡ الذي أنا سلالته ُ ...
فأعلمه ُ حُبي ! ″
لله درك أيتها الأديبة وأنت تتناولين الهموم الإنسانية بلغة التحدي ، مصورةً تلك المعاناة والغربة وصراعها من أجل إحضار الدعائم التي تعزز إنسانية المرأة الثائرة ، واضعةً بصمة صدق دون مداهنة للواقع العربي المريض ... وليتها تدرك أن الأرباب التي تتناسل من ذكورية هبل المتسربل بسرابيل الإسلام ليس في الحقيقة الإسلام المحمدي ...
إن قصائدها تشير إلى وعيها الباذخ في إثبات الذات بعيداً عن سماوات ملونة بمباركة وعاظ السلاطين ...
نصوص مليكة هي خروج عن عهر المألوف وتحدياً له بامتياز لتوظيف لوعتها كأنثى عبر صرختها الأزلية في كل قصيدة يفسرها البعض بغباء ، لكنها ( أي مليكة ) تبحث عن الطهر الإنساني بدون سلفنة !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الوهاب المطلبي : شاعر وناقد عراقي

الأحد، مارس 28، 2010

بمناسبة اليوم العالمي للشعر : كي تكون شاعراً مغربياَ !

لكي تكون كاتبا أو شاعرا مغربيا ؟!
صحيح عنوانٌ يحمل تناقضات عديدة وإشكالات كبرى لذا دعونا نقوم بإعادة طرحه نظرا للتناقضات والتساؤلات التي تتبادر إلى ذهننا، وكذا الأفكار الخاطئة والمغالطات التي نُحتت في أذهان الكثير منا :
أن تكون كاتبا أو شاعرا مغربيا؟!
معناه أن تكون مُعترفاً بك في حكومة الفاشيين !!!
فلا يعني ولا يهم مدى إبداعك أو ما القضية التي تُبدع من أجلها ، كما نرى لدى معظم شعراء وكُتاب الحركة الأمازيغية ، فرغم إبداعاتهم الفكرية التحررية لا ولن يكونوا يوما شعراء أو كتًابا أو مفكرين لدى هذه الحكومة أو في قاموس الأنظمة العروبية - الوافدة المُصطنعة - القائمة هنا بشمال إفريقيا عموما ، ما دامت هي نفسها ليست وطنية (حكومات لاوطنية كما يُطلق عليها) ، فالكاتب أو الشاعر الحقيقي المُعترف به لدى هذه الأخيرة -الحكومات العروبية اللاوطنية - هو ذلك الشاعر المُنسلخ/المُستلَب الذي يتغنى ويعيد فقط صياغة أشعار وقصائد محمود درويش أو غيره من شعراء أمة أو وطن ليس منه ولا ينتمي إليه بتاتا ولكي لا يٌقال أنني عنصري أو متشدد ، فالمشكلة هنا بالنسبة لي لا تكمن في محمود درويش أو أي شخص يُناضل من أجل قضية معينة - قضيته الوطنية وهموم شعبه - فهنيئا للشعب الفلسطيني بمحمود درويش وأمثاله ولأرض فلسطين بشعرائها وكتابها الوطنيين المخلصين لها، الذين لا يمكن أن نجد يوما ما أحدهم يناضل من أجل قضية ما غير قضية أمته - كما نرى ونجد لدينا نحن- ، فدرويش على الآقل يناضل من أجل قضية وطنه وهموم شعبه عكس ما يُسمى بالشاعر أوالكاتب أو المثقف هنا لدى حكومة الفاشيين-الحكومات والانظمة العروبية -.
فلكي يٌعترف بك لدى هذه الأنظمة كشاعر أو كاتب مثقف ، وتٌدرًس إبداعاتك في المقررات والمناهج الدراسية عليك أولا أن تُغير في قاموسك مفهوم الــــــوطنية وأن تحذف أي شيء له صلة من قريب أو من بعيد بمثل هذه المفاهيم ، بل عليك أن تقوم كما فعله سقراط بالفلسفة ، أي أن تقلب كل شي رأسا على عقب ، وتُغير كل شئ وتكون مجرد وسيلة لتمرير خطابات و أيديولوجيات هذه الأنظمة. وتُكوِن فكرة في ذهنك هي أن يكون كل شئ ضد نفسه وعكس الواقع إلى أن يصل الآمر اليك أنت أيضا بنفسك ، عليك أن تنسلخ من هويتك الحقيقية وتنسى أو تتناسى هموم شعبك ووطنك (…) وألا ينصب تفكيرك إلا على ومن أجل هموم وقضايا أمم أخرى لها مناضلوها ومفكروها ، فهذا هو المناضل والشاعر الحقيقي أو الكاتب المثالي لدى هذه الحكومات.
فمسألة أن تفكر يوما أن تكون شخصا واقعيا أو وطنيا، وتناضل أو تبدع من أجل قضايا أمتك ووطنك ، فاعلم أن هذه هي بداية نهايتك ، إما عن طريق منع كل إبداعاتك ، أي قتلك بطريقة أخرى غير القتل المعروف ، أو عن طريق القتل المعروف المباشر -الاغتيال-، كواقع ومصير مناضلي وشعراء ومثقفي الحركة الآمازيغية بشمال إفريقيا من أمثال المناضلة الأستاذة مـــــــليكة مزًان ، والآديب الثائر المتقي أشهبار أو الفيلسوف والأديب الآمازيغي المرحوم محمد خير الدين ، وغيرهم كثير من الشعراء والفلاسفة والمبدعين الكتاب الذين ماتوا ولايزالوا يموتون في وطنهم الموت البطيء ، رغم إبداعاتهم القيمة التنويرية التي تخدم هموم وقضايا الشعب المغربي الحقيقية ، وتنير طريق هذا الشعب ، والتي توجه نقدا لللاوطنين-الفاشيين الشرقانيين- وأذيالهم من المستلبين الإسلامويين والمتمركسين .
اسمحوا لي فأنا لست ضد هذه التوجهات أو لكي لا يظن أحد أنه تكونت لدي فكرة شوفينية تجاه أي من هذه الآتجاهات والتوجهات الآيديولوجية ، أكيد لا، لكن كما قلت أن كل شئ وكل مفهوم لدى هؤلاء قد تغير وأصبح ضد نفسه ، انطلاقا من مفهوم الوطنية ( الحقة ) ، بل وحتى الحقيقة نفسها تم تزييفها بدءا من الاسلام حتى الماركسية في معنياهما الحقيقيين ، فكل شئ تم تزييفه و تغيير معانيه ودلالاته.
لذا فكل من يريد أن يتم الاعتراف به ككاتب أو شاعر لدى هذه الحكومة أو هذه الآنظمة بصفة عامة عليه ـ كما قلت ـ أن يغير كل شيء ويزيف الحقيقة وأن يتجرد من كيانه وهويته الحقيقية ، وأن لا تكون أشعاره إلا من أجل النكبة أو النكسة ، وإياه تم إياه ب( تافسوت ) أو انتفاضات الربيع الأسود بمنطقة -القبايل بالجزائر الأمازيغية - حيث أكثر من مائة قتيل وجريح ومعتقل، أو ثورات الشعب الأمازيغي (المغاربي)، إياه و كل هذا، لكي يُعترف به كأديب أو كشاعر كما اعترِف بالشعراء والمثقفين (الكبار) في "المغرب العربي" ! والله إنها لمهزلة ! إن الشعراء والآدباء الحقيقيين، هم أمثال من ذكرتهم سالفا ، أمثال معتوب لونيس الثائر الحر ، هذا الشاعر الرسول-الرسول في المفهوم الأدبي وليس في المفهوم الديني- الذي كرس حياته وناضل منذ نعومة أظافره (المتمرد) من أجل قضية إنسانية ، قضية الوجود -الأمـازيغية- حتى آخر رمق في حياته ، وانتهى به المصير المشؤوم الذي يعانيه ويعيشه كل أديب أو شاعر مثقف أمازيغي ـ كما قلت ـ إما عن طريق الموت البطئ ، أي منع كل إبداعاته وإقبارها لكي لا تصل الى شرائح الشعب أو الرأي العام ، أو ـ كما وقع له ، أي لمعتوب لونيس وغيره من أمثال بوجمعة الهباز ومولود معمري وكذا سيفاو … عن طريق الاختطاف أو الاغتيال والتصفية الجسدية .
هذا هو مصير كل مثقف أو شاعر مغربي أو مغاربي حقيقي -أمازيغي- يناضل من أجل قضايا وهموم الشعب المغربي الحقيقية. فكونك تناضل من أجل قضايا وطنك وهموم شعبك ـ فهذا بالنسبة للحاكمين ولأذيالهم -المُستلَبين- يُعتبر خرقا لشرط من شروط وطنيتهم-المقدسة "العروبية-الاسلاموية"-من المحيط الى الخليج الفارسي ، ويعتبرونك انفصاليا ليس إلا.. فكل شئ تم تزييفه وتغييره وتجريده من حقيقته !
فتحاياي الحارة إلى كل أديب ومناضل ومثقف حقيقي وطني-بمفهومه الحقيقي- وأخص بالذكر الثائر المتقي أشهبار و المناضلة الشاعرة مليكة مزان وكذا الكاريزمي معتوب لـونيس ، وباقي كتاب وأدباء ومناضلي الحركة الأمازيغية عموما ، إذ لا يمكن بل من المستحيل أن ننساهم : ومن هذا المنبر الحر نرسل أيضا تحية الصمود والمجد إلى مناضلينا داخل زنازن العار والذل (سليمان أوعلى، أوعظوش وأوساي وسكو ، وكل معتقلي الحركة الثقافية الأمازيغية السياسيين) ، والحرية لهم جميعا َ !
بقلم أمازيغ بوي / عاشق لونيس معتوب ـ عن موقعه وبتصرف

الأحد، سبتمبر 28، 2008

الناقد العراقي جمال المظفر : قراءة في سيرة النهد الأمازيغي : مليكة مزان نموذجاً

يدخل الجنس في الأدب مدخل المحرض الواعي لكل أشكال الاضطهاد الفكري والجسدي والسياسي ، ويبتعد عن المعنى الإغرائي الذي يتخيله البعض بشكله العام . أدلجة الجنس لأغراض سياسية ومنحه صفة الثورية وسيلة ٌ لولوج عالم التحرر الجسدي والفكري ، متعة القراءة أمام متعة الانفعال .. ممارسة التعري اللغوي بكل حرية دون قيود اجتماعية أو سياسية ...
قد تكون ثورة النهد أعنف من الثورة الشعبية أو الانقلاب السياسي والعسكري ، الثورة الجسدية أو الجنسية وسيلة لتحرير الأنثى من حالة النكوص والاضطهاد الذي تفرضه المنظومة الاجتماعية على الإناث ...
في قصائد الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان يبرز البوح الانثوي والممارسة العلنية بصوت عال ، البحث عن الهوية المفقودة التي تناضل من اجلها عبر البوح اللغوي الصارخ ، بوح الجسد ، بل بصرخة النهد الذي يمثل مركز الثورة في جسد الأنثى :
من كفرٍ إلى كفرٍ
أكتبُ سيرة َ النهـدِ ،
فماذا عنكَ أيها النهـدُ
وأنتَ بغير جراح ِ الأمازيـغ ِ لا تعـودُ ،
بغير انصعـاق ِ الحـبْ ؟!
مليكة شاعرة ثائرة على التقليدي ، الغضب الشعري عندها يمثل قضية شعب لا قضية جنس ، متمردة على النظام القبلي والعشائري ، تخلخل حواس الآخر من خلال لغة البوح المباشر ...
الشاعرة تشتغل على منطقة النهد باعتبارها المنطقة الأكثر إثارة لدى المرأة ، وهو منطقة الشد البصري للآخر ، فهي ترى أن الجسد يتكلم ويحاور ، يثير ويستفز ، يقاوم ويجاري ، وبقدر ما يقاوم الإغراءات فانه يبحث عن منطقة للسلام ، لذلك استخدامها للغة الجسد استخدام إيديولوجي لا استخدام جنسي كما يتوقعه البعض ، الجنس لديها ليس متعة ولذة ونشوه ، انه قضية بحجم شعب يبحث عن هويته :
رب نهد لنشوة السكرِ
إلا نهديَ الأطلس المرُ
رب نهد لزينة الصباحِ
ونهديَ لأمازيغ الجراح ْ
النهد الأمازيغي لديها يمثل الخصوبة والأمومة والثورة ، أي أنها من خلال النهد الذي يراه المجتمع الشرقي مكان للإغراء الجنسي تراه هي منطقة استصراخ للضمائر ومحاولة لاسترداد المستلب من حقوقها ، لا تنسى بأنها أنثى ، لها اشتهاءاتها ورغباتها ، ولكن أمام القضية يصبح الجنس له دلالات أخرى :
هل رأيتم جسداً
في .. مثل اشتهائي ،
أو .. مثل انكساري ،
أو .. مثل اكتئابي ؟
شاعرة تقف بالضد مما هو عرفي وسائد ، التقاليد والمعتقدات الاجتماعية والدينية والسياسية ، ثائرة على طول الخط ، تعتبر التعري وسيلة من وسائل التحرر الفكري والانطلاق نحو مناطق أكثر تعبيرية ...هي لا تعرض جسدها للبيع أو المتعة ، العرض هنا مجازي ، عرض الجسد مقابل الحرية ، استلاب النظر إلى قضيتها ، المنطقة التي يقف عندها كل مطالب بحقوقه ، ليس كل ما يكتب عن الجنس هو جنس ، وليس كل جسد يطرح على الورق مباح للمتعة :
قبل أن تحن لنهدي ..
تبين أولاً ملامحكَ بين الجثثْ !
هذه اللغة الثورية هي لغة التحدي ، فالنهد مطروح في داخل النص ، قد تتخيله وربما تحن إليه ، ولك الحق في أن تشتهيه وتتخيله وترسم وتؤسس لشكل ذاك النهد ، حجمه وتضاريسه ، ولكن هل بالإمكان الاستيلاء على هذه المنطقة التي تعتبر اشد مناطق الأنوثة حيوية ويمثل ذات الأنثى ، فالكثير من النساء الغربيات والعربيات يعتبرن منطقة النهدين أكثر مناطق الجسد أنوثة وجاذبية ويلجان إلى تكبير صدورهن وباتت عمليات زرع السيلكون شائعة في الغرب ، ولا ننسى قضية الممثلة الفرنسية مس لولو التي كبرت ثدييها بحيث أصبح وزنهما عشرة كيلوغرامات وماتت بسببهما ... أو الشهرة التي حصلت عليها باميلا أندرسون صاحبة أجمل نهدين في العالم وباتت صورها تتصدر أغلفة الصحف والمجلات وراح الكل ينظر إليها ويتابع آخر صرعاتها :
وليمة المرضى
من الكلاب والذئاب ِ ،
من الأصنام والأرباب ِ..
هو هذا النهدُ :
عقل لا يَجدُ معناهْ
إلا وقد تقيحتِ الصلاة ْ !
كيف يمكن كتابة سيرة نهد ، هل يكتب عن استدارته ، ثورته ، كرزاته ، تاريخه ، أول إنسان روضه ، من اكتشف انه مكان الهيجان والعنف الانثوي ، حواريته ، اضطهاده ، صمته الصارخ ، عريه ، همسه ، نضاله السري خلف حمالاته ، صعب للغاية كتابة سيرة نهد في المجتمعات الشرقية ، ولكن مليكة مزان تمردت وكتبت تلك السيرة بعنف أنثى لم يحدها شيء سوى مساحة الفكرة / النص :
من كفرٍ إلى كفرٍ
ها أكتبُ سيرة َ النهـدِ
وما فتح الربﱡ جنتـهُ الأحلى ،
وما تبـرأ الربﱡ
من كل عاهري الشـرقْ !
عرض النهد في الأدب العربي يعتبر عورة لغوية ، تتجاوز حدود المسموح ، والخوض في تفاصيل الجنس يعد تجاوزا على الأخلاق والآداب العامة ...استخدام الشاعرة للجنس ليس للمتعة وإنما من اجل هدف أسمى ( هذا نهدي فاغنموه ) هذه اللغة ليست عرض لعضو أنثوي بالمعنى الجنسي ، وإنما لغة تحد للأخر ، أي هذا نهدي ولكن ليس بإمكانكم أن تغنموه :
وأنت تهرولُ ..
إلى ما قيل َ أنها نشوتكَ ..
لا تنس
ألا نشوة لكَ ..
خارج الخطابْ !
في قصائدها تكرر الكثير من المصطلحات بإيقاع سريع ( النهد ، العهر، الأصنام ، الذئاب ، الأرباب ، الجحيم ، النشوة ، التمرد ، الانعتاق ) وتلك المفردات هي مركز اهتمامها ..
تقول في احد لقاءاتها الصحفية : لأني أفترض دائماً أن ثمة قارئاً لقصيدتي أذكى مني ، ولأني أخشى أن أخيب انتظارات هذا القارئ لا أتردد ، لحظة الكتابة ، من المضي بذكائي الخاص إلى نوع من المكر الحلال ، مكر أضمن معه أصالة القصيدة وقوتها ، ومن ثم أضمن دهشة القارئ وتفاعله معها ووفاءه الدائم لها :
فلأسبحْ ..
باسم نهديَ الذي خلقْ ،
خلق الكفرَ
مِن كل رفض أو أرقْ
جرأة الشاعرة في توظيف مفاهيم تحررية والمحافظة على دلالاتها اللغوية لتخدم في النهاية فكرتها الكامنة في الباطن والمستفزة لذات القارئ غاوية إياه لدخول منطقتها ، منطقة الاشتغال الشعري / اللغوي ، إغواء القارئ إلى المناطق الأكثر خصوبة وجاذبية ، المناطق الناضجة لدى المرأة تغوي للتأمل والتخيل والاستغراق :
ولو كان لي عقلٌ واحدٌ ،
ولكنه التعددُ في النهودِ ،
ولكنها أجندة ُ الربْ !
في قصيدة ( نهدي سلاحي المجيد ) تبرز بوحها العالي ، بأن النهد هو السلاح اللغوي الذي تقاوم به الاضطهاد الفكري والسياسي ، ليس لديها سلاحا كالمتعارف عليه ، وإنما هو هذا النهد الأمازيغي الذي يعلن تمرده على كل ما هو مقدس ، تحاول أن تجعل من الشعر وسيلة للوصول إلى ما تصبو إليه بان للأدب رسالة يمكن إيصالها إلى كل الشرائح ، قصائدها عنيفة صاخبة ضاجة عارية من التورية ، تختار عناوينها بدقة من اجل استلاب القارئ إلى القصيدة / العنوان :
نهـديَ ،
سلاحيَ المجيـدْ ..
ما زال السفر مراً، وكذا النشيـدْ
فرغم تلك اللغة المباشرة التي تبرز حالة التحدي للآخر ، ورغم الانزياح اللغوي إلا أنها تثبت ذاتها الأنثوية وما تحتاجه من أشياء تحرك السواكن / الباطنية فتفضح تلك النصوص الداخلي وتعومه إلى خطاب خارجي ، معادلة متوازنة مابين الداخلي والخارجي ، الذاتي والموضوعي ، تمنع جسدها عن الآخر ضمنيا لكنها تصون الذاتي ، لا تنسى أنها أنثى وتحتاج إلى الآخر حتى لو كان في الخيال :
...
أنكَ
ممنوعٌ من كل جسدِي ،
أني عارية ٌ..
إلا منـكَ ،
إلا من ذاك الإيقـاعْ !
العهر كمفهوم اجتماعي يدل على حالة السقوط الأخلاقي ، استباحة الجسد ، ولكن قد يكون هذا السقوط لغويا أو سياسيا أو فكريا ، العهر الجسدي لا يقل عن العهر السياسي ، ولكل امرأة عهرها ، اشتهاؤها للرجل الذي يقطن في مخيلتها بعيدا عن الرقابة الاجتماعية والأعراف والتقاليد ، فما يحظر على المرأة على ارض الواقع يتحرر في المخيلة ويمكن خداع الأسرة والمجتمع بممارسة الجنس في الخيال الواعي بعيدا عن سلطة العائلة والمجتمع :
سيدتي ..
لكل عاهرةٍ .. رجال وورودْ ،
وأنا ..لي .. أرصفتي ،
لي .. انتظاري ،
لي .. صدمة الشرود ْ ،
كلما أبصرت ثغراً يشبههُ ..
قلتُ :
هذا وطني !
ينطفئ كل ثغر وأعودْ ..
المرأة العربية ترضخ بصورة عامة لمنطق الاستعباد والاستغلال واستلاب الحرية ضمن قوانين المجتمع الصارمة التي تفرض الوصاية على الأنثى ، بالإضافة إلى السلطة الدينية التي تمارس ضغطا قويا غير قابل للنقاش أو حتى إعادة النظر في القوانين الوضعية والصورية ، بإمكان الأنثى / الشاعرة أن تمارس العلاقات الحميمية مع فكرة النص / الموضوعة / فالفواصل مناطق تأمل واستدراك :
هذا المدى
بأقلﱠ من شرائع الطغي ِ لا يقنعُ ،
حول نهديَ
أضرمتُ الجحيمَ ، فليسرع
ِكلﱡ ربﱟ إلى نشوتهِ !
العهر لديها هو الأورام والأوجاع وتركات المجتمع ، حالة النكوص التي تعانيها الأنثى ، تخاطب الآخر بـ ( ظننتني ) أي أنها لا تقع ضمن دائرة هذا الوصف وان لديها المخدع والسرير والجسد والرجال والشرفات ومباحة للجميع في كل الفصول ، فصول السنة والخطابة والبوح الشعري ، هذا الظن ليس في محله لان عهرها هو تلك الآلام والعجز أمام استخلاص الحقوق من الآخر :
العاهرة َ ظننتـُني ،
ولديﱠ الرجالُ ،
والشرفاتُ والوردُ والفصولُ ؛
وما العاهرة ُ ، ويلي ،
غيرُ أورامي ،
وعجزي عن صنع انتقامي !
في خطاب لها إلى الدكتورة وفاء سلطان عبر قصيدة أهدتها لها تقول في إهدائها : إكراماً لها في كل أبراجها الفكرية العالية ، وانتقاماً من عديمي الضمير والعقل (أشباه الرجال ) حسب قولها ممن ابتليت بهم المرأة في عالم العقلية العربية المتعفنة ، أولئك الذين إذ تقهرهم بفكرها وتنورها وشجاعتها وطهرها لا يجدون شيئاً يدافعون به عن غبائهم وترديهم غير شتمها ومعايرتها بالكبت وبدم الحيض والنفاسْ ! ) .. !!
هذه اللغة الانفعالية الصاخبة لا تستثني أحدا ، نظرة المرأة المتحررة إلى الشخصية الذكورية العربية التي تنظر للمرأة نظرة دونية ، تنتقص من شخصيتها ، المرأة التي تدفع ثمن جريمة تاريخية لا دخل لها بها ، فدائما ما يحمل الرجل المرأة سبب تعاسته ، بل البشرية كلها من خلال استجابة حواء إلى غواية الشيطان عبر التفاحة التي أنزلتهم إلى الأرض :
ماذا لو أشفقُ على الربﱢ ..
وأعلنني جسداً بلا نهدْ ؟!
صلب النهد ، لغة تعتمدها الشاعرة للتعبير عن حالة الإحباط والتقييد الاجتماعي المفروض عليها ، الجسد يصلب النهد ، يقيده ، يحد من حركته ونضاله وحريته ، يبقى أسير سجنه الدائم ، يتوارى خجلا من كل النظرات والإيماءات اتقاء هذا الكون أو العالم المختل الهواءات والاشتهاءات والرغبات :
هكذا تـنفضحُ التفاهة ُ ..
في أقصى التجلي ،
هكذا يَصلبُ الجسدُ نهدَه ُ ..
اتـقاءَ كون ٍ ..
مختلﱢ المد والجزرْ !
مغازلة الجدار رمز للأعراف والتقاليد الاجتماعية ، الممنوعات ، المحرمات ، تكتب بذات الأنثى التي تثيرها الحروف مثلما تثيرها الإغراءات الجنسية ، حركة أي حرف على الورقة يمثل حركة أي عضو أنثوي يستثار ، ما تعكسه الحروف هو الإحساس الداخلي للذات الباثة :
لا جدوى ..
من مغازلة الجدار ِ ،
فلِمَ إلحاحي على الفصول ْ ؟!
بل أصوﱢبُ النهدَ ..
رشاشاً ..
أصيلَ الغنائم ِ والطلقات ْ !
جدير بالذكر أن الشاعرة مليكة مزان أصدرت خمسة دواوين شعرية :
1 ـ جنيف .. التيه الآخر / 2004
2 ـ لولا أني أسامح هذا العالم / 2005
3 ـ لو يكتمل فيكَ منفاي ( قصائد / رسائل مفتوحة إلى مناضل أمازيغي / 2005
4 ـ حين وعدنا الموتى بزهرنا المستحيل / 2007
5 ـ متمرداً يمر نهدكِ من هنا / 2007
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراسة من إنجاز :
الناقد والشاعر والصحافي العراقي :
نقلاً عن موقع :