الأربعاء، مارس 26، 2008

منعم الأزرق : قصيدة تلو أخرى تتسع الرؤيا ...

منعم الأزرق : قصيدة إثر أخرى تتسع مساحة الرؤيا التي تفتحها الشاعرة مليكة مزان بمنتدى " شرفة القصيدة ’’

تلفتني كثيرا في هذه القصائد، بدءا، عناوينُها الماكرة التي من الصعب الانفلات من إغوائها المثير، وثمة أيضا توهجُ اللغة وإيحاءات المفردات التي تخرج بها من برودة الاستعمال المعجمي المحنط إلى لبوس جديدة هي من أثر التماس الخلاق بين حقلين دلاليين متنابذين: المقدس والمدنس ..
إن الشاعرة مليكة مزان تمارس ما يمكن تسميته بقلب الأدوار بين الثنائيات الميتافيزيقية حيث يحل المدنس مكان المقدس والعكس بالعكس، عبر ممارسة لغوية تتبنى إفراغ المفردات من محمولها العتيق وشحنها بمضاداتها الدلالية ...

" هاتي .. طقوسَـك ِ .. يا قبائـلُ
سنعيد .. دفن الموتـى "

وفي علاقة بالمعجم تميل الشاعرة إلى تضمين قصائدها أسماء أعلام (أماكن وأشخاص) ذات امتداد وحضور رمزيين في الذاكرة، على أن هذا الحضور ذاته لا يسلم من صدامية التأويل بالنسبة لرموز منمطة في كتب التاريخ المكرسة، مما يجعل الرمز بدوره يتحرر من ثقله الإيديولوجي ليكتسي بعدا إنسانيا ممتدا في الجغرافيا والزمان ...

" صهيلُ الهندي الأحمر عــادَ
أسمع أنهاره من بعيــد ٍ
تعيد الموتى من شـرودٍ ؛

في أوج السمـع أبصر محمــوداً *
يراوغ .. تيهيـا * .. برقص داعــرْ "

إلى ذلك ثمة الاتكاء المفرط على لعبة التقديم والتأخير في بناء القول الشعري ، وهذه واحدة من أمارات رؤيتها الانفجارية التي لا تستكين للجاهز من تراكيب اللغة وعباراتها، فالشاعرة تبحث عن لغتها الخاصة ومسكنها الرمزي الذي يميزها عن غيرها من الأصوات الشعرية بالمغرب على وجه الخصوص.
إلى ذلك تحضر في قصائد مليكة مزان نبرة خطابية قوية لن تألفها القناعات الكسولة التي جعلت تاريخ الخطابة شغلا ذكوريا متمركزا حول الصوت الجهوري (قلب الأدوار مرة أخرى) .. النزعة الخطابية في قصائد مليكة تحمل تامّ احتجاجها ، فتكثر في قصائدها أفعال الكلام وعلامات البتر والتعجب والاستفهام ونقطتا التفسير :

" مسكين هتلـر ْ :
ألم يخطط .. لرسم قمـر ٍ ..
فدلـوه .. على رشـاش ْ ؟! "
" رشاشـي ،
يا رشاشـي ..
أعِـد .. ترويض الغابـات ِ،
أعِــد .. تربية الصحــاري "
تجربة تستحق بالتأكيد وقفة متأنية، وقراءة عميقة، بعيداً عن التصنيفات السطحية والمبتسرة التي تنم عن أزمة القراءة حينما تتم بغير منظار الشعر وكيميائه.
ـــــــــــــــــــــ
* تيهيا : أو ديهيا : الملكة الأمازيغية القديمة المعروفة بالكاهنة ...
* محمود : المقصود هنا هو محمود درويش الشاعر الفلسطيني الشهير ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم منعم الأزرق ـ موقع منتديات المرساة .
جبال الريف ـ 19 فبراير 2006