الخميس، مارس 27، 2008

مليكة مزان : جنوني الشعري ديني الذي أفاخر به الملائكة ...

(حوار أنجزه الإعلامي المغربي تقي الدين تاجي)

مقدمة الحوار:

"مليكة مزان، أو شاعرة الغضب بامتياز، صوت نسائي مغربي اختار التمرد طريقاً للتعبير والبوح، ترانيم حروفها خلخلة للمألوف وحروف أشعارها شكل من أشكال التبول على كل سائد وممارسة لطقس التعري أمام كل ممنوع. قالت عن نفسها:

"أمازيغية أنا أقترف شعري المتمرد أنغص به حياة كل عاهر نذل من الأشخاص والعادات والمعتقدات والسياسات والأنظمة".

لمليكة مزان في الشعر خمسة دواوين تم طبعها:

ـ جنيف .. التيه الآخر / 2004
ـ لولا أني أسامح هذا العالم / 2005
ـ لو يكتمل فيك منفاي (رسائل مفتوحة إلى مناضل أمازيغي) / 2005
ـ حين وعدنا الموتى بزهرنا المستحيل / 2007
ـ متمرداً يمر نهدكِ من هنا / 2007

كما لها كتب أخرى في طريقها إلى النشر منها :

ـ أنا وباقي الملاعين / ديوان شعري .
ـ إلى ضمة من عطركِ / رواية سيرية  .
ـ هكذا تحدثت مليكة مزان أو "من أجل مغرب أمازيغي علماني حداثي" (تصريحات صحافية غير مسبوقة) .

اشتغلت مليكة مزان بالتدريس وتدرجت ما بين مواد اللغة العربية، فالتربية الإسلامية، فالأدب "العربي"، فالفلسفة ، قبل أن تنتقل للعيش بالخارج وتتفرغ للكتابة.

استضافتها مدونة "خربشات مواطن أمي" مباشرة بعد الإعلان عن حجب أو حذف مدونتها على "مدونات مكتوب"، حجب تؤكد الشاعرة الزميلة أنها لم تقم به، وإدارة "مكتوب" أيضا أعلنت أنها بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف، فكان لي معها الحوار التالي، حوار يكشف لنا الوجه الآخر للشاعرة المدونة مليكة مزان"*.

نص الحوار:

ـ س: من هي الشاعرة مليكة مزان في سطور؟

ـ ج: لأن السؤال هو عن مليكة مزان الشاعرة بالتحديد سيكون من الذكاء هنا ألا أقدم أي تعريف لي قد يكون تضخيماً أو تقزيماً لتجربتي، لأترك الإجابة عن هذا السؤال لأي ناقد متخصص شاء له قدره أن يصادفني في خضم بحثه الخاص عما يضيفه إلى قائمة اكتشافاته المدهشة أو المرعبة أو المحيرة أو التافهة، لمَ لا ؟! فقد أكون مجرد شاعرة تافهة ولا أدري.

ـ س: العهر، النهد، الرب، الانعتاق، الحرية... كلمات مفاتيح وتيمات تكررت بجل قصائدك... أية علاقة وأية دلالات؟

ـ ج: لأني أفترض دائماً أن ثمة قارئاً لقصيدتي أذكى مني، ولأني أخشى أن أخيب انتظارات هذا القارئ لا أتردد، لحظة الكتابة، في المضي بذكائي الخاص إلى نوع من المكر الحلال، مكر أضمن معه أصالة القصيدة وقوتها، ومن ثم أضمن دهشة القارئ وتفاعله معها ووفاءه الدائم لها.

يظهر ذلك في جرأتي على توظيف مفاهيم بذاتها إما محافظة على دلالاتها التقليدية أو بالعمد إلى إفراغها من تلك الدلالات لأمنحها دلالات أخرى بعيدة تسمح بربط علاقات متينة في ما بينها لتخدم في النهاية، وبشكل تكاملي، فكرة/أفكار القصيدة التي أريدها، والتي أصر في البدء على أن تكون في مجملها مستفزة لذكاء القارئ وذائقته ليسرع، مدفوعاً بما أثارته لديه من فضول، إلى عوالمها الأخرى حيث هو على موعد مع شيء واحد: الاكتواء، وعلى حد سواء، بفاكهة جناتها وجحيمها.

ـ س: يرى البعض أن كتاباتك تتميز بكونها ذات طابع استفزازي صدامي، بماذا تردين؟

ـ ج: ألا ترى معي أن الكثير مما يصنع وجودنا ويملي علينا اختياراتنا مستفز لنا بشكل جارح فظيع، معتدٍ بذلك علينا في صميم إنسانيتنا وحريتنا كما نشتهيهما؟! ذاك ما يدفع كتاباتي دفعاً إلى الرد باستفزاز آخر، وهو استفزاز من دونه تبقى كتاباتي مجرد هذيانات جبانة مهادنة خائنة، وبالتالي لا قيمة مضافة لها بل لا داعي أصلاً إليها.

أضف إلى ذلك أن الذوق العام عندنا ذوق كسول، خصوصاً في ما يتعلق بالإقبال على قراءة الشعر وتذوقه.

ولإخراج هذا الذوق من كسله أرى من واجب القصيدة، قصيدتي على الأقل، أن تكون صادمة، مخلخلة للراكض من المشاعر والأحاسيس والمتآكل من أساليب التفكير والتقييم، بهذا الطابع الاستفزازي أنجح دائماً في شيء واحد على الأقل:

شد القارئ إلى القصيدة لأترك لهذه الأخيرة (بما لها وما عليها) أن تمارس عليه ما أريده لها من سادية تشريده خلف رؤى لا عهد له بها.

ـ س: شاعرة الغضب بامتياز، أي غضب ذاك الذي يعتمر صدر صوت نسائي كمليكة مزان؟

ـ ج: أؤمن بأن في أعماق كل طاغية مستبد (سواء كان فكراً أو واقعاً) احتمالاً جميلاً (ولو ضئيلاً) للتجاوب مع نداء كل القيم الإيجابية التي نؤمن بها وسيلة لا استغناء عنها لتحقيق ولو حد أدنى مما نستحقه جميعاً من مجتمع إنساني كريم، لكن عندما تبين التجربة أن القصيدة الوديعة، كموقف وفلسفة، لم تعد تجدي في شيء، تبقى القصيدة العنيفة الغاضبة إمكانية جمالية أخرى لإبلاغ ما للأدب عامة من رسالة.

وأعتقد أن تاريخ الأنثى (إنساناً كانت أو أرضاً أو ثقافةً) حافل بالعديد من مظاهر الوداعة التي تجرعت في ظلها وبسببها كل أشكال المهانة والاستعباد، ولا أعتقد أننيـ بحكم تشبعي بالفكر الفلسفي الذي هو فكر عقلاني بالأساس ـ سأرضخ لمنطق الاستلاب والاستعباد والاستغلال، أو سأهادن ما أعيشه أو أراه من تجليات اللاعقل التي تحول دون أي تحقق جميل لكل طموح بشري مشروع.

ـ س: لماذا يصفك البعض بالجنون والاختلال العقلي، هل هو قدر على الشاعر أن يكون كذلك أم لسبب آخر؟!

ـ ج: إنني، وفي غياب شبه تام لأي نقد موضوعي جاد يقف عند كتاباتي وقفة متفحصة ذكية ليكتشفها في خصوصيتها وأصالة مقارباتها لنوع الهموم الإنسانية التي تؤرقها، يبقى اتهامي بالجنون والاختلال العقلي (بسبب هذه الكتابات) أجمل وسام تطمح إلى انتزاعه نزعاً كل شاعرة محلية وكونية في مثل غضبي وجرأتي وتفلسفي، وإنه لوسام يسعدني شخصياً أن أجتهد العمر كله لحصاد مزيد منه.

إن انخراطي بعشق في هكذا إبداع ملتزم أصيل ومجنون ـ وعن سبق إصرار وترصد ـ لأفضل لديَّ من أي اقتراف آخر، ذاك أن جنوناً كهذا لهو دليل كل شاعر حقيقي على رفضه التام لأي مصالحة بين الفكر والواقع، بين الشعر والحياة، تتم على حساب قيم الحق والخير والجمال.

ـ س: كيف تلقيت خبر حذف مدونتك وحجبها عن الظهور، وهل تم إشعارك من طرف إدارة مكتوب قبل ذلك؟

ـ ج: رب امرئ في عالمنا المتخلف المأزوم يفتقر إلى كثير من الشجاعة لإظهار نواياه الحقيقية خاصة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخر، لذا كان من الطبيعي ألا يصلني أدنى إشعار أو حتى أدنى إنذار من الساهرين على إدارة مكتوب ينبهني على الأقل إلى إمكان حجب المدونة.

لقد كنتُ ـ بمجرد ما تكررت صعوبة الدخول إلى مدونتي وانتابني الشك في الحجب ـ من بادرتُ إلى مراسلة الإدارة مستفسرة عن حقيقة الأمر (فعلت ذلك أكثر من مرة) لكن دون أن أتوصل، ولغاية الآن، بأي رد لأتيقن أخيراً من أنه فعلاً قرار الحجب.

ـ س: أي رسالة تودين توجيهها إلى زوار مدونتك وقراء نصوصك؟

ـ ج: بقرار الحجب انتهت مسيرة تدوين حافلة بكثير من الشجاعة والجنون والفرح، وختم على شفاه مدونتي بشمع أحمر متواطئ جبان بعد أن ضاجعتُ فيها كل شياطيني المشتهاة وبأجمل ما يكون الإيمان. وبعد أن اقترفتُ بين فضاءاتها الصادحة بكل نبل أصيل غضبي ذاك الشجاع الجميل، غضب أردت له أن يغري الجميع بحلاوة الاقتناع بمشروعية، بل وضرورة إعادة النظر في أسس البناء، بناء عالم إنساني أجمل، بناء لن يستقيم إلا بالانتصار لثقافة أرحم من كل ثقافة صنعتها مخاوفنا وعقدنا وغباؤنا وجعلناها، لا نخشى على ذلك لومة لائم ، ثقافة مهووسة بشيء واحد:

التبشير بمنطق دموي مريض، منطق يكره الاختلاف ويخشى التعدد لتصير بذلك نبعَ قلق ورعب شديدين لكثيرين.

وأحب هنا أن أؤكد أن النشر أصلاً بأكبر تجمع عربي للتدوين ـ عفواً للتعهير والتكفير بعد أن فشلت كل سياسات التدجين والتبقير ـ لم يعد يشرف المتنورين منا بعد أن اكتشفنا ما اكتشفناه من ضيق صدور بعض من يترددون عليه أو من يشرفون على إدارته، ومن قصر نظرهم أيضا، هؤلاء الذين ظهروا جميعاً في أمس الحاجة إلى إعادة أنسنة وتأهيل، أو على الأقل إلى كثير من الشفقة والصلاة من أجل أي هدي لهم حقيقي وأثير. ويبقى عزائي (بعد الحجب) ذاك الصدى الطيب الذي سأحتفظ به في نفسي وذاكرتي لكل الذين أكرموا كتاباتي بأن أعملوا فيها حسهم الإنساني وتأويلاتهم المنصفة واتبعوا أحسنها، بعيداً عن كل تسفيه أو تعهير أو تكفير ليغمروني بعدها بدفء تشجيعاتهم، وليشرفوني بمواقفهم المتنورة تلك. وهي مواقف لا بد وأنها ستساهم في ما نطمح إليه من عقلنة مشروعة وضرورية للحياة والمجتمع.

ـ س: أي رسالة إلى من صادر حقك في حرية الرأي والتعبير؟

ـ ج: أما وقد صودر حقي المشروع في حرية الإبداع، وباسم كل شيء إلا احترام إنسانيتي، هذه الإنسانية التي أرادها الرب لي كاملة، أي بما لها وما عليها (سواء كان عقلاً أو جنوناً، شكاً أو يقيناً، عهراً أو طهارةً) فإني لأفضل المحافظة على إنسانيتي، وأن أعيش علاقتي الحميمية الصريحة مع كل فكرة وكل عاطفة ولو في سريتي، وبكل ما أشترطه من حرية وعقلانية، بدل مواصلة ما لا أرضاه لنفسي من التدوين المنافق الجبان بفضاء يحكم على كل اختلاف إنساني وكل إبداع جريء من زاوية واحدة:

زاوية الرعب الذي يسكنه من أي منجزات رائعة محتملة لهكذا اختلاف وهكذا إبداع يجعل همه الأول والأخير مصير الإنسان (كقيمة وقضية)، هذا الإنسان الذي كان خلاصه، وما يزال، الشغل الشاغل لكل ما عرفه تاريخ الكفاح البشري من علوم وفلسفات، من فنون وقوانين، من اكتشافات واختراعات.

ــــــــ

*مقدمة الحوار من وضع تقي الدين تاجي إعلامي مغربي، عضو مؤسس لتجمع المدونين المغاربة وصاحب مدونة "خربشات مواطن أمي".