الأربعاء، مارس 26، 2008

ليلى لمرابط * : انتصاراً للشاعرة الأمازيغية مليكة مزان ...

˝ ثمة ظاهرة خطيرة من ظواهر العنف تسود حياتنا العربية ونعيشها كأنها خبز يومي : قلما نقيم فاصلاً بين الشخص وأفكاره . فإذا كرهنا الشخص كرهنا أفكاره مهما كانت والعكس صحيح . التنابذ فكرياً وإنسانياً يهيمن علينا ، لا تفاعلات ولا تراكمات في المعارف الخبرات بل تناف وانقطاع ؛ وفي ذلك دليل على ضحالة رؤيتنا المعرفية والإنسانية ˝

( أدونيس ، موسيقى الحوت الأزرق ، ص : 152 )

***

من المفارقات العجيبة لمشهدنا الثقافي العربي عامة والمغاربي خاصة أن تقوم مبدعة محسوبة على المدونة الأدبية القصصية والشعرية كالتونسية آسية السخيري بالتمسح في قامة شعرية لأديبة مغربية متميزة مثل مليكة مزان وذلك بالنيل من كرامتها وحشد مجموعة من الاتهامات الباطلة والمزاعم والادعاءات التي تتخذ من الحكم الأخلاقي والحسابات الشخصية منطلقا لها لتحكم بتعسف واضح على قصيدة شعرية فريدة لمليكة مزان انطلاقا من الحكم الفاسد على صاحبتها بسلبية جارحة لا مبرر لها غير الحقد المستبطن والغيرة والتحامل .

بل إن هذا الحكم المجحف المختل قد تعداه إلى تعسف أكثر خطورة زاغ بصاحبته لإطلاق موقف زائف شوفيني متعصب ودامغ الاقصاء والمحو والبولسة لمكون أساسي من مكونات المجتمع المغربي هو المكون الأمازيغي سواء بالشتيمة والشماتة أو ما يشبه نزعة احتقارية وعنصرية وشبه إبادة رمزية جديدة .

ولكم أن تقفوا عند التعليق الذي اقترفته آسية السخيري على القصيدة التي كتبتها الشاعرة المغربية مليكة مزان ونشرتها في موقع دروب تضامناً مع نساء خنيفرة إثر التصريح المؤسف الباطل الذي أدلى به رئيس المجلس البلدي للمدينة المذكورة حين وصمها بوكر تاريخي للدعارة لتكتشفوا زوغان هذا الموقف الرخيص الذي تعدى التعسف على شاعرة متميزة في مشهدنا الأدبي المغربي إلى التعسف على شعب بكامله وما له من ثقافة ضاربة في القدم وفي التربة المغربية وصامدة أمام كل أشكال المحو والإبادة .

مضمون تعليق آسية السخيري :

’’ أنت تركبين كل ما هو قذر زاعمة أنك تتبنين قضايا هي نبيلة فعلا … أنا أعرف محمد الحجي وأعرف أكثر جميلا آخر بروح ملاك يسمى محمد المزديوي لولاهما لقلت إن الأمازيغ يستحقون ما هم عليه من أوضاع مزرية طالما أنك منهم … أرجوك والله ما تكتبينه مقرف مقرف مقرف لأنك لم تزيدي عاهرات خنيفرة البائسات غير ذل على الذل الذي يتجرعنه زعافا … أنت تسيئين بما تكتبين لكل المغرب أمازيغ وعربا وحتى شياطين … لا تقولي إنك توظفين الجنس لغاية نبيلة ولا تقولي إنك تكسرين التابوهات … نحن لسنا على كل ذاك القدر من البلاهة … بالنسبة لاعتذار العرب لإسبانيا الذي ناديت به سابقاً عليك أولا أن تعتذري للأخلاق التي اعتديت عليها وعلى كل الاستعماريين أيضا الاعتذار للشعوب التي أهانوا كرامتها منذ سالف الأزمنة … ألا ترين أنك قلم مأجور… أعرف ماذا سيكون رد فعل الذين يهللون لك وأعرف أيضا أنني لم أخطئ في حقك لذلك أنا لن أفتح دروب إلا بعد أيام … ’’

أما قصيدة الشاعرة مليكة مزان القوية والتي كتبتها دفاعاً عن ˝عاهرات˝ خنيفرة وكل ˝عاهرات˝ العالم ، والتي أثارت حفيظة آسية السخيري فهي بعنوان : ˝ ست رصاصات في صدغ زبـون ˝ . تقول القصيدة في مقاطعها / رصاصاتها الست :

الرصاصة الأولى :

كن على يقيـن ٍ ..
من أني أكرس عطـري ..
فقط كي تشتعل جوعـا
فقط كي أحتفـل ونهـدي ..
بعيد إغتيالـكْ !

***

الرصاصة الثانية :

شكراً على الخمـرة ْ ..
ستعشـب في دمـي ..
مدناً وثــورة ْ :
مجرد خصية أنتَ
لا تسمن ولا تغني من رصيـفْ !

***

الرصاصة الثالثة :

قد أجــوع ُ ،
قد أعــرى ،
قد أشــردُ ،
قد أكفـــر ُ ،
ولا أخون الأنثـى ..
باستـفحالــكَ بين نهــدي ْ !

***

الرصاصة الرابعة :

هاكَ .. بنزيـنـاً ،
هاك َ .. عـود َ ثقــابٍ ،
امتحن إنسانيتــك َ ،
وقـع بطولتـكَ ،
هي فرصتـكَ ،
فجركَ .. شهماً .. عند فخِــذيْ !

***

الرصاصة الخامسة :

ما بين عهرك َ وظفــري ..
رمـز تـمردي ورفضـي ..
لن ينبـت لك أيـها الوغــد ْ ..
أيمـــا .. وردْ !

***

الرصاصة السادسة :

شكــراً :
كل أمهات العالـمْ ..
يـبخـرن الآن أثـداءهـن ،
هن المـزغـرداتُ في أقـصـايَ ،
وأنا المكتمـلة الثـأر ْ ..
تماماً كما تنبـأتْ ..
جداتٌ .. ذات انكسـارْ !

***

تأسيساً على ما سبق يمكن أن نسجل ثلاثة منزلقات فادحة سقطت فيها آسية السخيري وهي بمثابة مفارقات واختلالات كبيرة في نمط الرؤية إلى النص وإلى المؤلف(ة) وفي نمط الذائقة والفهم الذي جاء مغلوطا وساذجا للظاهرة الأدبية الخالصة وهي على سبيل المثال لا الحصر كما يلي :

-1- المفارقة الأولى :

استناد تعليق آسية السخيري إلى منطق تصفية حساب ذاتي وشخصي مع صاحبة القصيدة نظراً لما عرفت به هذه الأخيرة في موقع ’’ دروب ’’ من غيرة على الثقافة الأمازيغية ومن صدق في الدفاع عن حق الاختلاف الثقافي وعن حقوق الشعب الأمازيغي في الحياة الكريمة .

وهو منطق حاولت آسية السخيري أن تلبسه لبوس حكم قيمي أدبي غير أنها سقطت في فخ القذف والشتم والتوصيف السطحي بدل الاستناد الى منطلق أدبي جمالي مادام أن المشكلة حسب آسية السخيري هو تحفظها وشجبها لتوظيف جسد المرأة في الكتابة الإبداعية ومن ثم تنصيب نفسها المدافعة الأولى والمباشرة عن الأخلاق العربية الإسلامية وبالتالي الإطمئنان إلى البنية التقليدية الخرافية لهذه الثقافة وسياقاتها السوسيولوجية والاقتصادية بدل زعزعة الثابت فيها وفضح ظواهرها المزيفة وخلخلة السائد فيها فالمعادلة تصير وفق منطق آسية : أن تكتب امرأة أي امرأة عن مومس مثلا معناه أن الكاتبة مومس عملياً .

ـ 2- المفارقة الثانية :

إن المؤسسات المخزنية والرسمية المحسوبة على الأنظمة السياسية والثقافية الحاكمة هي التي كانت تمارس هذه الوظيفة القمعية عبر أجهزة الرقابة والمنع وبقدرة قادر تجد أشباه مثقفين ومبدعين وأنصاف مواهب يقومون بهذا الدور وفي ذلك خدمة كبيرة لتعزيز صرح هذه الرؤية القمعية للنظام السياسي العربي وإضفاء المزيد من المصداقية والشرعية على منطقية إقصائه وأحاديته .

ـ 3- المفارقة الثالثة :

استناد موقف آسية السخيري على كراهية الشخص الذي يؤدي عمليا إلى كراهية تجربته الإبداعية ويؤدي عمليا الى كراهية عرقه ولونه وجنسه .

يتضح إذاً البؤس المعرفي في النظرة المتعسفة للكاتبة آسية السخيري ويتضح كذلك سوء تقديرها الأدبي في الركوب على قصيدة رائعة دامغة الشعرية والفرادة ، كما يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك رؤيتها الضيقة وفهمها الساذج لأشياء معقدة تدخل في دائرة اهتمامات كتاب وشعراء حقيقيين أصحاب مواهب فذة ومشاريع ثقافية ورسائل أدبية قدموا إلى الكتابة من حقول معرفية ونضالية ليعززوا اتصالهم والتزامهم الوثيق بلحظتهم التاريخية ومجتمعاتهم عبر تمثلهم لها انطلاقا من طرائق التعبير المختلفة التي تروم التغيير والفضح والتعرية والشجب دون أن يكون ذلك على حساب القيمة الأدبية والفنية لنصوصهم الإبداعية .

إن الشاعرة مليكة مزان ليست سوى نموذج لهذه الكتابة الفادحة المخلخلة التي مبتداها الذات وخبرها الجماعة ، كتابة موغلة في الإنساني والوجودي والاجتماعي والتاريخي والوجداني .

ولن نجد أفضل من هذا المقطع لأدونيس نقف عنده أخيراً وليس بأخير ،

يقول أدونيس :

˝ما يكون إذن شعر عربي حديث لا يقذف القارئ خارج بنيته الثقافية والفكرية ، المنسوجة بخيوط المحلل والمحرم ، والمقبول والمرفوض ، لا يقذفه بدءً من اختراق هذه البنية ... ؟! ˝

( أدونيس ، موسيقى الحوت الأزرق ، ص : 161)

ـــــــــــــــــــــــ

* ليلى المرابط : اسم مستعار لإحدى الفعاليات الثقافية المغربية فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي / المغرب