الأربعاء، مارس 26، 2008

مليكة مزان : حلمي الأمازيغي ألا نضطر يوماً إلى حمل السلاح ...


(أجرى الحوار المناضل صالح ثيمجغيدين لصالح أحد المواقع الجزائرية الأمازيغية)

نص الحوار:

ـ س: من هي مليكة مزان (لقرائنا)؟

ـ ج: هذا من أصعب الأسئلة التي يصر بعض الصحافيين على طرحها وربما كان ذلك لقياس مدى إحساس كل كاتب/ة بذاته، ومعرفة ما إذا كان يعتبر تلك الذات هي بداية العالم أو نهايته أم هما معا.

شخصيا أحسني دائما بشكل موضوعي، كما أحس بالآخر دائما بشكل ذاتي فيختلط علي الاثنان ولا أعرف من أين تبدأ أناي ولا أين تنتهي.

هو إحساس قوي بالانتماء إلى العالم وإلى البشرية، وإلى الوطن وإلى الشعب، وهو ما خلق لدي هذا الالتزام بالدفاع عن كرامة ذاتي الفردية والجماعية، وأن أحرص على ألا أكون/نكون غير ما أريد/نريد حتى تكتمل صورتي/نا الآدمية وأرضى/نرضى عن كل ملامحي/نا الإنسانية.

لكن هناك دائما من وما يفسد عليَّ متعة هذا الالتزام ومن يسعى لفك هذا الارتباط الجميل لأجدَني ـ حين لا أستطيع إقناعه بالكف عن مداعبة مدمرة كهذه وحين ينتهي صبري وتستنزف كل قواي على الحب والصبر والغفران ـ لأجدني وقد انقلبتُ جحيما (مستحبا بل وضروريا) عليَّ وعليه.

ـ س: لماذا الشعر مليكة؟ ولماذا بالعربية؟

ـ ج: لأن الشعر هو الرفيق الوحيد الذي يحمل معك صليبك، ويمشي إلى جنبك يسندك حتى آخر لحظة ليقول لك مخلصا (والموت يشتهي روحك الشامخة):

"لك عندي عمر لا يقوى عليه الموت، فمت موتك هذا وأنت المطمئن، مت لتسخر، كما ينبغي لك وبلا حدود، من كل الخيانات ومن كل الجلادين ومن كل السيوف!".

هذا الرفيق "اختار" أن يقول لي كلماته المشجعة تلك بلغة القرآن و"لغة أهل الجنة"! إصراراً منه على فضح لاإنسانية كثير من أهل تلك اللغة حين وجدهم يحيدون عن تعاليم دينهم، ويحكمون على خصوصية شعبي الأمازيغي بالتراجع، وعلى حقبة من عمره بالجاهلية، وعلى لغته الأم بالغياب عن كل مدارس وطني، وإدارات وطني، ومستشفيات وطني، ومحاكم وطني، وسجون وطني، ومقاصل وطني، حتى لم تبق غير لغتهم/لغة الجاني والقاضي والسيف والجلاد.

ـ س: هل تكفي الكلمات، يا مليكة، لقول كل شيء؟

ـ ج: الكلمات إن كانت تكفي لقول كل شيء عن ذاتي الأمازيغية وبؤسها فإنها تبدو، للأسف، غير كافية لأن يفهم الآخر بؤس هذه الذات، وبأقل التكاليف الممكنة. ذاك أن هذا الآخر يفتعل الإصابة بالصمم، ولا يريد أن ينصت لأصوات أخرى غير تلك التي تصعد من صدره وحنجرته.

إنه نوع من العناد الكريه الذي لا بد له من عواقب وخيمة، علينا أن ننتظرها سويا وأن ندفع ثمنها كلنا غاليا إن لم نتدارك الأمر بكثير من المحبة والحكمة.

ـ س: كتب أحد شعراء تامازغا في إحدى قصائده: "لو وجدت عربيا بمزرعتي لقتلته"، فاتهم بالعنصرية، ما تعليقك؟

ـ ج: اتهامه بالعنصرية في هذه الحالة هو نفس الاتهام الذي يجب أن يوجه لكل فلسطيني، مثلا، يقتل "مستوطنا يهوديا" "يستولي" على مزرعته.

فإذا كان الفلسطيني يقاتل ضد "تهويد أرضه" فمن حق كل أمازيغي أمازيغي، بل من حق كل إنسان في الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم أن يقاتل ضد أسلمة أرضه وقلبه وعقله، وجعله من ثمة، وكلَّ ما يملك، عدوا كبيرا لكل من لم تصله بعدُ "بركات" الثقافة العربية الإسلامية العجيبة! لا فرق عندي ولا عند كل عاقل عادل.

إن القتل بهدف حماية النفس وكل ما تملكه هو دفاع مسلم بشرعيته في كل ثقافات العالم، هذا في الوقت الذي نرى فيه الأمازيغ قد سلبت منهم أجود أراضيهم ورغم ذلك لم نسمع عن أمازيغي واحد، ومنذ الاستيطان العربي القديم لشمال إفريقيا، قد قتل عربيا ما، سواء بسبب الأرض، أو بدافع من الحقد والعنصرية.

بل أين هي العنصرية مع ما يشبه تنازل الأمازيغ الكامل عن حقهم في كل عيش كريم واستسلامهم لواقع مر، واقع تجريدهم من مقومات وجودهم ومن ممتلكاتهم وبذرائع مختلفة، ذرائع كثيرا ما تفتعل صلتها بالمصلحة العامة حتى لا يجد الأمازيغ سببا للاحتجاج والرفض؟! ومن هو العنصري هنا:

أهو هذا الأمازيغي الذي فتح بيته، وفي كرم نادر، لكل عربي فار من جبروت أهله، بل واعتنق لغته ودينه، بل وزوَّجه بناته، بل وتغاضى عن جشعه وظلمه، بل وتراجع في كل مجال مجال ليترك المكان والكلمة والسلطة له وحده؟!

أم العنصري هو ذاك العربي الذي أقبل رافعا شعار الإسلام والأخوة والرحمة بيد، ورافعا باليد الأخرى سيوف القتل والقهر أو، في أحسن الأحوال، بنود النهب والإلغاء والمحو، معتبرا كل من لا يتجرع عنفه في صمت، أو لم يدخل دينه مخلوقا كافرا عليه الجزية أو الموت؟!

ـ س: بماذا تشعرين حينما تسمعين هذه الكلمات:

* الأمة العربية من المحيط إلى الخليج؟
* المغرب العربي؟

ـ ج: هذه ليست كلمات: هذه، يا أخي، أسلحة كيماوية لا يتقن تصنيعها واستعمالها غير الدهاء العربي، وباسم الحفاظ على وحدة أمة ودين ولغة لا توجد إلا في أذهان مبتدعيها، وحدة هي مجرد وهم على اعتبار ألا مقابل لها في واقع الناس.

إن الدهاء العربي يعرف كيف يرتكب جرائم القتل البطيء ودون أن يترك دليلا واحدا ضده حتى أن العالم كله، الآن، قد يطلع على معاناة أي جماعة بشرية بدائية (في أدغال إفريقيا أو أمريكا أو صحاري استراليا) يهددها الموت جوعا أو مرضا، كما قد يهب لإنقاذها، ولكنه لحد الآن لا يكاد يقتنع، وبالقدر الكافي، بوجود شعب أمازيغي يغالب الموت منذ زمن طويل على أيد عربية.

وتفسير ذلك يكمن في استعمال العرب للأسلحة الكاتمة للصوت، أسلحة التعريب والإقصاء والإفقار والتهجير والإغراق في مياه البحر (قوارب الموت). ونحن نعرف أن لا جريمة ثابتة حتى تكون هناك أداة ارتكاب الجريمة، كدليل مادي مباشر، وتكون هناك جثة.

تلك هي أسلحة العرب الخفية لإبادة غيرهم من الشعوب، وأما الجثة، جثة هذه الشعوب، فقد وزعت أشلاؤها على حكومات عربية كثيرة حتى لا تعرف الضحية قاتلها المباشر، ولا من أي قاتل تنتقم، أو إلى أي جهة ترفع شكواها.

ألا يذكرنا هذا بالدهاء الذي كانت قريش العربية قد خططت به لقتل محمد، غير أن قريش، بدل المضي في خطتها، فضلت أخيرا وضع يدها في يد محمد للتخلص من الآخرين المختلفين أو على الأقل لابتزازهم باسم الدين؟!

ـ س: يقال أن الإسلام عرب البربر، ماذا يعني لك ذلك؟

ـ ج: الإسلام بريء كل البراءة من تعريب الأمازيغ (لنقل الأمازيغ لأني لا أحب استعمال كلمة البربر لأسباب لا مجال لذكرها هنا)، الدليل على ذلك أن هناك بلدانا إسلامية لم يغير من هويتها هذا الدين، ولا ألحقها بما يسمى "عالما عربيا" أو "أمة عربية"، تماما كما ليس بوسع الإسلام الآن أن يعرب أي بلد أوربي مثلا، أو أمريكي، أو آسيوي، أو استرالي، لمجرد أن هناك أقلية عربية أو مسلمة في هذا البلد أو ذاك. لذا أتساءل كيف نزلت علينا، نحن المغاربة وما يزخر به الشرق الأوسط من قوميات مختلفة وعديدة، بلوى التعريب هذه؟!

بخصوص الحالة المغربية أعتقد أن مصدرها أساسا هو تراجع الأمازيغ واستسلامهم أمام تسلط الأقلية العربية عندنا واكتساحها لمجالنا، هذه الأقلية التي ظل يعاودها الحنين إلى انتمائها الأول وموطنها الأصلي، فعمدت ـ أمام استحالة العودة إليه مع ما يتطلب ذلك من مغادرة لأرض المغرب أرض الخيرات والبركات، وقد كانت جراحها من جراء مغادرة الأندلس طردا على يد أصحابها الشرعيين ما تزال تنزف حسرة وألما ـ أقول فعمدت إلى التخلص من وطأة ذاك الحنين بالتوهم بأن أرضنا الأمازيغية ليست سوى امتداد لموطنها هناك في شبه الجزيرة العربية.

ولأن طعم الوهم مضى حلوا فقد ارتقى الوهم مع مرور الوقت وصار "حقيقة" عربية تناست الأقلية العربية معها أن الأرض المغربية لها هويتها الخاصة ولها أصحابها الشرعيون، بل عمدت إلى حماية تلك "الحقيقة" بكل القوانين العنصرية الممكنة، تساعدها على ذلك سلطتها السياسية وثقافتها الإقصائية وإيديولوجيتها الدينية المخدِّرة.

ولأنها نجحت في تعريب الأرض كما نجح أسلافها في أسلمة الشعب، فقد شجعها ذلك على المضي قدما في تعريب الشعب.

هكذا بدأت أكذوبة ما يسمى بـ"المغرب العربي" أو "عروبة المغرب"، بل و"عروبة الأمازيغ"، أي بمجرد ظهور تلك الرغبة الشديدة لدى الأقلية العربية عندنا في تجديد الارتباط بموطنها الأصلي فعمدت إلى تحقيق تلك الرغبة بتوسيع مجال وخريطة ذاك الموطن، وهي رغبة تحولت إلى مشروع استعماري لاإنساني سخرت لتحقيقه كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة. وها تلك الرغبة / المشروع تتحول الآن إلى كابوس فظيع بالنسبة للسكان الأصليين بل إلى جريمة في حقهم لا تغتفر.

ـ س: كمناضلة أمازيغية ماذا يعني لك: "مغرب عربي على أرض أمازيغية"؟

ـ ج: يعني ذلك ما لا بد أن تعنيه لكل عربي غيور على أرضه وعروبتها ( وهو بالضرورة إنسان من شبة الجزيرة العربية لا من خارجها) ما تعنيه العبارة التي قد تقول مثلا:

"وطن صيني، أو ياباني، أو أمازيغي على أرض شبه الجزيرة العربية".

 أعتقد أن أمام عبارة كهذه لن يجد أي عربي يحترم نفسه أي مفر من الحكم بأن مشروعا استيطانيا يشبه "مغربا عربيا على أرض أمازيغية" لا يمكن أن يكون إلا من وحي قلب مريض ومن إبداع عقل مختل.

ـ س: يعيش الأمازيغ تحت وطأة أنظمة لغاتها الرسمية عموما هي العربية ودينها الإسلام، لماذا هذه المفارقة؟

ـ ج: لأن هناك، من جهة أولى، عمى عربيا فظيعا لا يرغب في النظر إلى الناس والتعامل معهم إلا من خلال ثوابته واختياراته وكأن الحياة في هذا العالم الأمازيغي، أو في أي عالم آخر، لا يمكن أن تكون سليمة إلا إذا صارت حياة عربية مسلمة.

ولأن هناك، من جهة ثانية، استلابا أمازيغيا شبه تام يسهل على السياسة العربية تحقيق مخططاتها اللاإنسانية باسم الحفاظ على لغة ودين، لغة ودين ليس كل الناس في حاجة إليهما كي يثبتوا أنهم أسوياء أو طيبون، ومن خلق الله لا من خلق الجن والشياطين.

ـ س: أغلب الحركات في تامازغا لا تتجاوز مطالبها المطلب الثقافي المحض، لماذا هذه الأدلجة؟

ـ ج: إن حرص الأمازيغ على ألا يتجاوز سقف مطالبهم المطلب الثقافي ليكشف عن كونهم متصفون حقيقة بذاك الغباء الذي طالما اتهمتهم به.

شخصيا كنت ومازلت أؤمن بأنه لا يمكن تحقيق أي مطلب أمازيغي دون أن تكون للأمازيغ سلطة سياسية قادرة على تفعيل هذا المطلب أو ذاك، وفي حينه، واستجابة لحاجيات شعبية حقيقية وملحة.

ولست أدري لم كل هذا العزوف عندنا عن العمل السياسي، ولا لمَ هذا التردد في المطالبة بحقوق سياسية تتوفر لنا معها أحزاب منا وإلينا، أحزاب تجعل ضمن أجندتها النضالية الاستجابة الحقيقية لكل مطالبنا الحيوية، وذلك في الوقت الذي نعرف تماما أننا لو انتظرنا أن تتفهمنا الأقلية الحاكمة والأحزاب العنصرية لنكون من نريد فإننا أبدا لن نكون.

ـ س: أين موقع الأمازيغ من أنظمة تؤمن بأمة عربية من المحيط إلى الخليج؟

ـ ج: موقعهم عامة يبدو وكأنه موقع الضعيف الذي لا حول له ولا قوة. موقع تميز عامة، وإلى اللحظة الراهنة، بمجرد محاولات خجولة لرفض هوية غريبة ألصقت بهم وثقافة غريبة فرضت عليهم، محاولات لم يعرها الحكام العرب أي اهتمام يستحق الذكر، دليلي على ذلك استمرار إقصائهم. في حين أن بيد الأمازيغ  فعل الكثير لفرض مطالبهم بدل استجدائها من غيرهم.

هو موقع يعتبر بالنسبة لي كابوسا فظيعا لن نستفيق منه إلا إذا تسلح الوجود الأمازيغي بغيرته الكاملة على نفسه ووحد كلمته وصفوفه، وبذل من أجل استرداد كرامته كل ما يستطيع من تضحيات وفي تحد لكل المناوئين له، أولئك المناوئين الذين عليه ألا ينتظر أن يقوموا من تلقاء أنفسهم بالتصدق عليه بما هو حق له، وإنما عليه أن يحسسهم، بكل الوسائل الممكنة والمشروعة، بضرورة تصحيح سلوكاتهم والتراجع عن مواقفهم قبل أن يجدوا أنفسهم في حاجة ماسة إلى مواجهة الأجيال الأمازيغية الصاعدة الغاضبة، والتي لن تتهاون في استعمال أي سلاح لانتزاع حقها في أرضها وهويتها وثقافتها.

ـ س: ما هي باعتقادك الرهانات التي تؤدي إلى انعتاق الأمازيغ من سياسات التعريب والتبعير والتغريب؟ التهجير والإدماج؟ التهميش والتفقير؟ الطمس والسلب والإلغاء؟

ـ ج: شخصيا أرى أن الانخراط في الفعل السياسي، والوصول إلى مراكز السلطة والقرار، هو الكفيل وحده بانعتاق الأمازيغ من كل أشكال إهانتهم وإبادتهم مادامت جل الحكومات العربية التي تعاقبت على المشهد السياسي المغاربي قد تعودت أن تلغي أبسط المطالب الأمازيغية من برامجها ومشاغلها. ومادامت تفتعل الصمم أمام صوت الحق الأمازيغي وأمام ضرورة الإنصاف والتصالح الحقيقيين مستخفة في ذلك بالشعب، بل ومعلنة العصيان لكل إرادة إنسانية طيبة تريد أن تتحرك لصالح الشعب الأمازيغي ولكل ما يخدم الاستقرار والأمن في المنطقة سواء كانت هذه الإرادة وطنية أو دولية.

ـ س: ما الذي يعيق النضج القومي الأمازيغي؟

ـ ج: أهم أسباب تلك الإعاقة هو ما نلمسه في مختلف الأوساط الأمازيغية، سواء في المدن أو في القرى، من غياب فظيع وشبه عام لكل وعي بالانتماء، أو الخجل منه، أو استبداله بانتماء آخر يبدو لجل الأمازيغ أشرف من انتمائهم الأصلي على أساس أن فيه طاعة لله ولرسوله، وبه وحده يكتمل وجودهم وترقى إنسانيتهم.

وكلها مواقف أمازيغية سلبية تدمر الوجود الأمازيغي من الداخل، مواقف هي إرث ثقيل لسنوات طويلة من عمليات غسل الدماغ والقلب واللسان من كل ما هو أمازيغي، مع حشو كل هذه الأعضاء بثقافة غريبة على الشعب، وباستعمال لاديمقراطي وغير شريف لكل قنوات التواصل المتاحة للتأثير عليه.

ولعل النخبة الأمازيغية المثقفة ساهمت في ترسيخ هذه المواقف وإنجاح سياسة الغسل والحشو هذه بسبب بعدها عن الجماهير الشعبية، بل وتبني بعضها لنفس الأفكار القاتلة للهوية الأمازيغية.

ـ س: لماذا لا توجد حركات مسلحة لتحرير تامازغا وشعبها باعتقادك؟

ـ ج: شعب تامازغا معروف عنه أنه شعب مسالم كريم، ثقافته ثقافة إنسانية أساسها احترام الحق في الحياة والحرية والاختلاف. كما أنه شعب أدنى إلى الحوار منه إلى إراقة الدماء. هذا إلى جانب اشتهاره قديما بالفروسية والشجاعة النادرة والقدرة على الحرب والقتال.

غير أن عدم تفكير أمازيغ اليوم في حمل السلاح لرد الاعتبار لأنفسهم ولهويتهم وثقافتهم يعود إلى درجة الوعي المتفاوتة لديهم بالانتماء، وبما يهدد هذا الانتماء من عوامل الزوال والانقراض إذ أن أمازيغ اليوم فئات:

ـ فئة مستلَبة ليس لديها أي وعي بالذات إذ تعتبر نفسها امتدادا للوجود العربي، وبالتالي فإن كل مطالبة بأي حق أمازيغي يبدو لها أمرا غريبا بل وبدعة، فكيف ستفكر في حمل السلاح لتحرير نفسها أو، على الأقل، كيف ستفكر ولو في مجرد الاحتجاج السلمي لفرض احترامها على من يلحقون بها الإهانة والأذى؟!

ـ فئة تعي تماما ذاتها الأصلية وحقوقها ولكنها تفضل التنازل عنها لصالح ذات غريبة مكتسبة، وذاك تجنبا منها لما تسميه "فتنة" في حق ما صارت تؤمن به من "أمة عربية إسلامية واحدة".

ـ فئة واعية بذاتها وبانتمائها، غيورة عليهما، ولا استعداد لديها أبدا لاستبدالهما ولا للتنازل عنهما، ولكنها تفضل الحوار الحضاري والطرق السلمية لنيل مطالبها المشروعة.

ـ فئة أخرى أشد إحساسا لا بالانتماء فقط، بل بالغبن والبؤس، وترى ألا حلَّ، وقد استعصى الحل، إلا المقاومة المسلحة بعد أن رأت ما رأته من الإصرار العربي والإسلامي على تجاهل المطالب الأمازيغية المشروعة.

هذه الفئة الأخيرة هي البذرة الصالحة الوحيدة لانبثاق حركة مسلحة لتحرير تامازغا وشعبها. ولسنا ندري ما قد يفاجئنا به المستقبل بهذا الصدد، لذا ومن موقعي كشاعرة إنسانية/عضو في حركة "شعراء العالم" المعروفة بتحركها من أجل الانتصار لقيم المحبة والحوار والتعايش والسلام، وكممثلة للعالم الأمازيغي لدى كل من هيئة "شعراء في باريس" والحركة السالفة الذكر، أوجه ندائي هنا لكل عربي مناوئ للمطالب الأمازيغية، مثقفا كان أو رجل سياسة أو رجل دين، أن يراجع نفسه وضميره، ويقف إلى جانب الشعب الأمازيغي معترفا له بكامل إنسانيته، وذاك ترفعا منه عن كل وقاحة مجانية مدمِّرة، وعن كل عمى عنصري قد يجعل كثيرا من الأمازيغ، وخاصة شبابهم المتحمس، ييأسون من جدوى المطالبة السلمية بكل حق مشروع ، ويفكرون في المقاومة المسلحة.

ـ س: ماذا يعني لك وطن للشعب الأمازيغي؟

ـ ج: حق أؤمن به، وحلم لا بد أن يتحقق مادام هناك شباب أمازيغي متحمس وعاشق للحياة الكريمة رغم كل أشكال ومستويات البؤس. كما أنه عيد لهذا الشعب غاب عنه طويلا حتى نسي ألوان الفرح وصدى الزغاريد في دمه المتجمد من شدة القهر.

بل هو المعنى الذي سيُضفىَ على كل القصائد التي انكتبت افتتانا به وعلى كل الدماء التي سالت فداء له! إنه الكيان الأصيل الوحيد والذي من دونه سيظل الأمازيغ غائبين عن الحياة والوجود.

ـ س: ما هي كلمتك في الأخير لأبناء تامازغا؟

ـ ج: أكتفي هنا بهذا البوح الصادق: إني أحبهم جميعا ، وأفكر دائما في الفرح الذي بإمكاني أن أضيفه كل يوم إلى أجندة الأشياء الجميلة التي تجعلهم أقوى من البؤس واليأس، متحملة، في سبيل ذلك، ما أتجرعه في محيطي الأسري وفي الوسط الثقافي العربي والأمازيغي، على حد سواء، من سوء فهم عظيم ليس لهم به غير بعض علم.

هذه ليست شكوى مني أو حتى تفاخرا وتباهيا، إذ لن يثنيني عن محاولة إسعادهم أي قهر، ولا أي إغراء، ولا أي خذلان. وإنما ليعلموا فقط أن تامازغانا العزيزة تستحق كل عشق صادق منا وكل تضحية وكل صمود. وأن عليهم إزاء كل من لم يلمسوا فيه أدنى تغليب لمصلحتها العليا على مصلحته الخاصة أن يردوا عليه خطبه ومحاضراته وادعاءاته وقصائده وأن ينفضوا عنه أجمعين.

كما بودي أن أقول لهم هنا، ردا على رسائل التشجيع والمحبة التي يغمرونني بها من حين لآخر، بأن وسائل النضال ليست دائما وبالضرورة قصائد أو خطبا أو ندوات أو شعارات أو مظاهرات، ولكن هي أيضا حركات وكلمات يومية، مكرسة لعشق الانتماء، حركات وكلمات تذكر صغارنا وكبارنا في كل لحظة وفي كل مكان بمن نكون وماذا نريد. حركات وكلمات بإمكانها، مهما كانت صغيرة أو عابرة، أن تفعل المستحيل وتحقق ما لم يستطع بعد أن يحققه النضال الرسمي الطويل.

فلا تبخلوا على تامازغانا بما تستطيعون من نبضات الحب اليومي، حب سيظل دائما في متناولنا جميعا، حب لن يبدو صعبا ولا مكلفا إلا لمن لا يخجله منا أن يتأخر عن الاستجابة الصادقة الفورية لنداء الأرض ووصايا الأولين.