وكأيما عادة لعينة ..
يتسلل الرب من صلاتي ،
يسرع إلى جنون العالم ،
يتبول في زوايا ..
ما يختاره من مسالخ :
يحدد مجاله المقدس
يملأه بالقتل والنفاق ! ’’
( من قصيدة : من ينقذ الرب من هكذا عاهرات ؟! )
هدوء فجر وتسلل .. عالم منساب هيولى . قصة تشوبها الرهبة أن مجسـّدا قد اكتمل .. وإذ نزل فليمارس التبول والقتل عند ارتفاع الشمس منذ الأزل .. سرد سينمائي في الأزقة الفارغة سوى من العفن والبول الليلي لسكارى مجهولين يبحثون عن الاستقرار الضائع وما تركوه من ’’ دين فاسد ’’ (1) .
السيدة مليكة مزان ذات الجرأة في اختيار الحدث وصقل المصطلح .. المتفردة دوماً في عرض الجسد الذاتي بهدف الكشف الفاضح من ’’ هكذا عاهرات ’’ لنوايا التسلط والاحتلال والاستلاب . فالعهر النبيل يشفق على المتلقـّي ويكشف عري الفاعل وسقوطه في دائرة المرض اليومي : البول ، المسلخ ، القتل .. مصطلحات فانية لمقدس مبتذل !
تكشف الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان عريَ الصحراء وعن قراءة لبدوية توافِهِ الحكام تسلخ المكان وزمن الحدث بدل الرب عنوة لتضحى الأمازيغية لعنة على ... نازية الدكتاتوريين الشائخين .. فتخرج المرأة الأمازيغية قاذفة بسلاحها السري بوجه التفرد اللاهث ، لينام الرب راجفاً ’’ بين فخذيها ..!’’ (2) .
جرأة وتجرد ولطمة وسحق ..صمود أنثوي يواجه الجبروت .. صراخ يملأ الكلمات والأسطر والمدونات الشعرية ، فالأرض لمن يثأر لها والصحراء لمن يركبها ، وسلطة الشعر لا تتوفر إلا في أرضها وعلى لسان راكبيها ( ... )
هناك في الصحراء حيث الحقيقة .. قيء مرّ بوجه الاحتلال والاستحواذ ، بوجه الطغاة المعتوهين ، هناك نساء يردن الأرض ليركبنها، حتى :
" تكتمل الوصفة
وتعتذر الأقدار
ويكسر الرب كل أضلاع آدم ! "
( من قصيدة : ’’ سعيداً يقضي الرب ليلته بين فخذي ! ) (3)
لن يتنكر أحد لدمائكم ، أو يحتقر جذوركم ، أو يتخلى عن مناصرة هويتكم ، أو يسخر من ثقافتكم ، أو يوقع على أي بند من بنود إبادتكم ، ولن يتسامح ويهادن مادمتم لن تتسامحوا أو تهادنوا على أرضكم !!
كما أردتِ ( سيدتي ) وذكرتِ في كل محفل ومنبر فلكل شعب الحق في تقرير مصيره وعلى أرضه ...
لقد لطمت السيدة مليكة مزان وجه القبح حين صرخت في قصيدتها ’’ أغبى الفتاوى أو .. قصائدي العاهرات ؟! ’’ :
’’ ولكم
كلما اكتأب الرب
أن تختاروا إحدى الشريعتين :
أغبى الفتاوى
أو..
قصائدي العاهرات ’’
( من قصيدة : ’’ أغبى الفتاوى أو .. قصائدي العاهرات ؟! ’’ )
فيصرخون كرفسة محتضر:
’’ كافرة ! ’’
فتجيب :
’’ ومن يشفق على الرب ..
من سوء استعمال يطال قدسيته المغبونة ؟! ’’
ويضيفون :
’’ عاهرة ! ’’
فتجيب :
’’ ومن يعالج تقيحات المنبوذين َ ..
من التأثيرات الجانبية لكل نذالة ؟! ’’
( من قصيدة : ’’ أغبى الفتاوى أو .. قصائدي العاهرات ؟! ’’ )
إنها بكائية أيتها السيدة الفاضلة مليكة !
والله أبكيتني وأنا الرجل الكبير حين قرأت قصيدتك هذه وكأن الأرض تهتز تحتي وتجيب ..
وكأن الصحراء ثكلى لكنها تشفق على الربّ الغادر ...
ونحن العراقيون لم نتعرف وبوضوح على قضيتكم النبيلة وقضية الصحراء المغربية الأمازيغية ، فمشاكلنا قد أعمتنا من أن نرى نضال الشعوب والأقليات المقموعة (4) ومطالبها الشرعية في الأرض واللغة والثقافة المتوارثة بحدوثاتها وخيالاتها الخصبة أمام جبروت السلطات البوليسية الشوفينية العربية في قمع شعوبها والأقليات المضطهَدة كقضية الأقباط في مصر مثلا ً ، وأنّ ’’ قميص عثمان ـ القضية الفلسطينية- قد استحوذت على كل قنواتنا الفضائية.. وبالدولار !!!
فلطفا بنا أيتها السيدة الفاضلة في قصائدك الباكية سراً ، فنحن ولو تجردنا نبقى عاطفيين ..
الأرض لكم بصحرائها .. وأنا معكم بصحرائي وسكري الليلي ...
ــــــــــــ
قراءة من إنجاز :
الكاتب العراقي جمان حلاّوي
jumann59@yahoo.com
نقلاً ( وبتصرف ) عن موقع الحوار المتمدن
ـــــــــــ
هوامش :
1ـ إحالة على قصيدة : ’’ من ينقذ الرب من هكذا عاهرات ؟! ’’
2 / 3 ـ إحالتان على قصيدة : ’’ سعيداً يقضي الرب ليلته بين فخذي’’ ، والتي استبدلت الشاعرة عنوانها بعنوان آخر هو : ’’ بسقة بسعة العالم ...’’
4 ـ تجدر الإشارة إلى أن الأمازيغ يشكلون الأغلبية الساحقة في شمال إفريقيا وطنهم الأصلي ، وليسوا أبدا أقلية كما يظن ذلك كثيرون .