الثلاثاء، سبتمبر 16، 2008

مليكة مزان : الزواج من رجل مريض بعروبته وعلى ( سنة الله ورسوله ) صفقة جهنمية لإعادة إنتاج كل أشكال اضطهاد المرأة غير العربية ومن ورائها شعبها الذي تنتمي له !

( أجرى الحوار الصحافي الكوردي عماد علي / كوردستان )


10 ـ الزواج من رجل مريض بعروبته، وعلى سنة الله ورسوله، صفقة جهنمية لإعادة إنتاج كل أشكال اضطهاد المرأة غير العربية ومن ورائها شعبها الذي تنتمي إليه!

(أجرى الحوار الصحافي الكوردي عماد علي)

نص الحوار:

ـ س: لدى الشعب الكوردي معلومات غير وافية عن الثقافة الأمازيغية، هل بإمكانكِ تعريفنا على الخطوط العريضة منها؟

ـ ج: الثقافة الأمازيغية، بشكل عام، ثقافة إنسانية عقلانية تضع الإنسان ضمن أوليات اهتمامها، تحترم حق الفرد (ذكراً كان أو أنثى) في التمتع بكامل حريته وكرامته، وتقبل على الآخر مهما كان عرقه أو ثقافته.

إنها ثقافة احترام الاختلاف وثقافة الاعتراف بالتعدد، لذا لا عجب إن كانت بامتياز ثقافة التسامح والانفتاح والحوار، وأما ما نراه أو نسمع عنه من سلوكات تصدر عن بعض الأمازيغ، سواء على أرضهم أو بأي مكان في العالم، فهو مجرد صدى لتأثرهم بالثقافة العربية الإسلامية، ولتبنيهم لما هو غير إنساني ولا عقلاني في هذه الثقافة من كراهية للآخر، وتعسف على إنسانيته، ومن النزوع إلى تصفيته جسدياً وثقافياً على أساس أن هذه التصفية جهاد يُجازَى عليه مقترفه بملذات جسدية في جنة تقدمها تلك الثقافة على أنها فندق من ألف نجم لإشباع محض جنسي لا أقل ولا أكثر!

ـ س: من المعلوم أن الأمازيغ شعب أصيل في منطقة شمال إفريقيا وما يسمى ظلماً بـ "المغرب العربي"، ولكن للأسف لم تسنح له الفرصة لبناء كيانه وتقرير مصيره كما هو حال الكورد في الشرق الأوسط، برأيك ما الأسباب الموضوعية والذاتية لما هو عليه الشعب الأمازيغي الآن؟

ـ ج: لا أعترف بالأسباب الموضوعية الكامنة خلف الأحوال المزرية لأي شعب مهما كانت واقعيتها وجبروتها، أؤمن بصلابة الساموراي الياباني أن على كل شعب يحترم نفسه أن ينتفض انتفاضته التي لا بد منها خاصة عندما يتعلق الأمر بكرامته وحريته، ببقائه أو فنائه.

إن الشعب الأمازيغي الذي نجح في طرد أعتى القوى الاستعمارية الغربية (الفرنسية والإسبانية) مِن على أراضيه ليس أضعف الآن من أن يقاوم وبكل شراسة كل سياسة عنصرية تتسلح بما يتأتى لها من وسائل مسخ هويته واستلاب عقله ووجدانه، وتستفيد من تواطؤ القوى الغربية ذات المصالح المشتركة معها على إبادته واستنزاف خيرات أرضه.

ذلك بأن يفعل إرادة الحياة لديه تفعيلاً ليس ثقافياً فقط وإنما سياسياً بل وعسكرياً إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، كما هو الحال الآن مع تجربة شعبنا الطوارقي الأمازيغي في كفاحه المسلح والمشروع ضد كل قوى القهر والظلام في الصحراء الكبرى.

وأما الأسباب الذاتية لما يعانيه الأمازيغ من استمرار لهذا الغياب شبه القاتل من الخريطة السياسية للعالم فيمكن تلخيصها في سببين أساسيين:

1 ـ جهل الفئات العريضة لهذا الشعب بهويتها الأصلية كنتيجة حتمية لسياسة التعريب وسياسة التخدير والاستلاب.

2 ـ عدم إحساس الفئة الواعية بهويتها الأمازيغية بأي غيرة على هذه الهوية، وذلك بسبب ما تسميه (هذه الفئة) بأولويات مصيرية ذات صلة إما بالخوف غير المبرر من تمزقة الوحدة الوطنية، أو بمجرد الرغبة في البقاء على ذاك الولاء التام والقاتل للثقافة العربية الإسلامية.

وهنا تكمن خطورة الحالة الأمازيغية، وهي خطورة تزداد حدتها عندما تناضل مثل هذه الفئات في صفوف مؤسسات مدنية وسياسية تقوم بتأطير الشعب تأطيراً يكرس استلابه فتعرقل بذلك تحرره، كحزب الاستقلال العروبي وحزب العدالة والتنمية الإسلامي، فهذان الحزبان أغلب المنتمين إليهما أمازيغيو الأصل واللسان ولكنهم من ألذ أعداء المطالب الأمازيغية المشروعة.

ويبقى الخلاص متوقفاً على إيجاد إطارات سياسية ومدنية بديلة تشعر الشعب بانتمائه وهويته، وتعرفه بقضاياه الحقيقية ومصالحه الحيوية، كما تزوده بوسائل الدفاع عن وجوده وبقائه.

ـ س: مرت قبل أيام ذكرى الثائر الأمازيغي معتوب لونيس، كيف تقيمين مسيرته وثقافته، وما الذي قدمه لشعب الأمازيغ المظلوم؟

ـ ج: معتوب لونيس من أشهر المغنين الأمازيغ تميز بلونه الغنائي وبمواقفه السياسية المعارضة للنظام الجزائري العنصري، وبتمرده على كل أشكال استغلال وإذلال الإنسان الأمازيغي، كما تميز بجهره بأفكاره حول العلمانية والديموقراطية والقضية الأمازيغية مما أدى إلى ازدياد سخط كل من النظام الجزائري والجماعات الإسلامية والأحزاب العروبية عليه على حد سواء.

لن أخفيك أبدا حقيقة أني ذهلت أيما ذهول يوم اطلعت على عطاءات هذا المناضل الشهيد، فأغانيه في غاية الثورية وغاية الشجاعة في تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وفضح كل الأكاذيب الاستعمارية في المنطقة، وذلك كله ضداً على إيديولوجية عربية إسلامية مازالت تغسل أدمغة الساكنة الأصلية لشمال إفريقيا غسلا ولهدف واحد:

التمكن من مزيد من محو الهوية الأصلية للأرض والشعب.

لا غرابة إذاً أن يكون مصير معتوب لونيس مصير كل المناضلين الإنسانيين الشجعان، مصير السقوط برصاص القوى الرجعية والعنصرية والتي مازالت تتمكن من لحظة المكان وحق شعب المكان في أن يكون حراً كريماً، لا أسياد يحكمونه غير أبنائه المتنورين الأحرار.

إن كفاح الشهيد معتوب لونيس واستشهاده على يد أعداء الكرامة الإنسانية في كل مكان لم يذهب سدى، بل ضخ ومازال يضخ في شرايين كل الشباب الأمازيغي ما يلزم من دماء الرفض والمقاومة، هذه الدماء التي صارت ترتعش لها قوى الغدر في المنطقة وتحسب لها ألف حساب مهما حاولت أن تظهر خلاف ذلك.

ـ س: كلنا على علم بالصفات المشتركة بين الشعبين الكوردي والأمازيغي ومقدار المغدورية التي لحقت بهما، ولكن المعلومات المتوفرة عن أصولهم المشتركة عليها الكثير من الغبار ولربما هي من التكهنات، ماذا تقولين في هذا الشأن؟

ـ ج: أما عن الأصول المشتركة بين الشعبين فشخصياً لم أسمع عنها من قبل، ربما تكون هناك قواسم ثقافية مشتركة ليبقى تأكيد حقيقة أصولهم المشتركة (إذا كان المقصود هنا هو الأصل العرقي) من واجب الباحثين المختصين في هذا المجال.

شخصياً إذا كنت أؤمن بخلاف تلك الأطروحة التي يحاول العنصريون من الباحثين ومن رجال السياسة ترويجها ممن يرجعون أصل الأمازيغ إلى فلسطين، أو إلى اليمن، لإثبات ما يزعمونه من عروبة الأمازيغ، وعلى رأسهم العنصري الأول معمر القذافي، فأنا أنتهز هنا نفس المعلومة التي تنبني عليها هذه الأطروحة العنصرية لأقول بأن اليمنيين والفلسطينيين، في هذه الحال، هم أمازيغ في الأصل وليسوا عرباً على الإطلاق، وإنما عربوا بقوة السيف والدين تماما كما عربت باقي شعوب الشرق الأوسط.

هذا بالإضافة إلى أنه من الثابت تاريخياً أن أجدادنا الأمازيغ قد حكموا مصر القديمة ردحاً من الزمن، وما زال في الجزء الغربي منها (في ما يسمى بواحة سيوا) ساكنة أصلية من الأمازيغ الأقحاح. كما عرفت إسرائيل (أو ما يسمى بفلسطين) تواجداً قوياً للأمازيغ في الزمن القديم، وربما تكون علاقات ما قد توطدت بين الأمازيغ والكورد في ذلك الوقت ما دام وطن الكورد كان على مرمى حجر من تواجد الأمازيغ بالشرق الأوسط آنذاك.

ـ س: كيف تعرفين كوردستان؟ وما أمنيتك السياسية العامة لمستقبل كوردستان والشعب الأمازيغي معاً؟

ـ ج: أعرف كوردستان من قراءاتي حول التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وما استطاعه كورد العراق من فرض وجودهم على السياسة الداخلية للعراق، كما أعرف كوردستان من علاقتي ببعض المثقفين والمناضلين الكورد وكتاباتهم القوية، مقالات سياسية كانت أو إبداعات فنية تتغنى بتاريخ كوردستان وثقافة كوردستان، وأحلام ومآسي الشعب الكوردستاني المناضل.

أما مستقبل العلاقات السياسية بين كل من كوردستان والشعب الأمازيغي فقد انطلقت مبادرات جادة من مناضلي ومثقفي الطرفين تحاول تأطير الشعبين معا ضمن نضال مشترك ضد الهيمنة العربية، وما على تجربة كوردستان ونجاحها في انتزاع الاعتراف السياسي بها إلا أن يكونا لأبناء تامازغا ولغيرهم نموذجا جميلا لتوحيد الصفوف وتكثيف الجهود بهدف تحقيق ما تطمح إليه كل الشعوب المقهورة من اعتراف العالم بوجودها لا ككيانات محض ثقافية، بل كيانات سياسية حقيقية كاملة السيادة والتواجد وحرة القرار والتدبير لشؤونها الخاصة.

ـ س: هل لديك اطلاع على مستوى المرأة الكوردية الثقافي والاجتماعي والسياسي؟ ثم ماذا بشأن أختها المرأة الأمازيغية؟

ـ ج: الذي يجب التركيز عليه بمناسبة الإجابة على هذا السؤال هو القول بأن كل ما نراه في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا من تحسن نسبي لمستوى المرأة الثقافي والاجتماعي والسياسي ليس إطلاقاً من إنجاز المرأة العربية، بل هو من إنجاز امرأة هي إما كوردية أو أمازيغية (أو آشورية أو أرمينية أو فرعونية أو نوبية)، فالمرأة العربية (أي تلك المنحدرة من بلاد الحجاز / البلد العربي الوحيد ضمن ما يسمى بقوة القهر عالماً عربياً) لا تشكل سوى أقلية في المنطقة.

هذا بالإضافة إلى أنها (المرأة العربية) لم تستطع وإلى الآن أن تغير من أوضاعها المزرية شيئاً يستحق الذكر رغم ما تحاوله من حين لآخر من إعلان شجاع عن تمردها الجميل.

يرجع ذلك إلى هيمنة وتسلط العقلية الذكورية العربية ذات الثقافة الهمجية، أي تلك التي تتسم بكل رغبة مرضية في النيل من كرامة كل كائن آخر غير الذكر العربي، ولا يبقى على المرأة العربية في الحجاز (أمام هكذا عقلية وثقافة) إلا الاقتداء بنضال أختها في قوميات الجوار ذات الثقافات الإنسانية نسبياً إذا ما أرادت أن تتخلص من كل عباءات القهر والإذلال والاستغلال.

ـ س: معروف عنك أنك شاعرة غاضبة ونشطة في مجالات عدة، ماذا تقولين في: الله؟ القومية؟ اليسار؟ الفقر؟ الظلم؟ السلام؟ الوطن؟ الزواج؟ الحب؟ السعادة؟

أجوبة:

ـ الله: لن أسمح لنفسي هنا بالتحدث عن الله ما دام المسلمون وغيرهم من أصحاب الديانات "السماوية" يعتبرونه ملكية ثقافية خاصة بهم. ولأني من جهة أولى ونتيجة لذلك، لا يمكنني الاقتراب من "هذا الله" إلا ضمن إطار إيديولوجي دوغمائي لا يسمح بأي عقلنة لمفهومه. ولأني، من جهة ثانية، أحترم العقل في تعطشه الدائم للكشف عن حقيقة كل شيء بعيداً عن الأفكار الجاهزة وفي تحرر تام من كل قيود ومن سلطة أي رقيب.

لهذه الأسباب جميعا سأسمح لنفسي هنا بالتحدث فقط عن الرب كمفهوم مشترك بين عدد من ثقافات العالم لأقول بأن مفهوم الرب ـ كما يقدم نفسه للعقل ومن خلال بصماته في الخلق ـ محاولة إنسانية فاشلة لتفسير الحياة والوجود، وذلك لسبب واحد:

كون العقل البشري لا يملك، بأي حال من الأحوال، أن يفهم أو يقبل تلك الصفة الذميمة واللصيقة به على الدوام (أو مجرد تبرئته منها) والتي تتلخص عندي في نهاية التأمل والتحليل في كونه (الرب) كخالق لطبائع المخلوقات، هو الأصل في كل الجرائم المرتكبة منذ الأزل، بدءاً من جرائم الحياة الحيوانية، وانتهاء بجرائم مجتمعاتنا البشرية.

ـ القومية: تعرف القومية غالباً بأنها تلك الرابطة الإنسانية التي تجمع بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة والتي تنبني على أسس من وحدة الانتماء الجغرافي ووحدة التاريخ ووحدة اللغة، بالإضافة إلى وحدة التكوين النفسي ووحدة المشاعر وباقي الهموم الوجدانية والوجودية.

انسجاماً مع هذا التعريف أرى أنه من المؤسف حقا أن تكون الأقلية العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد أوجعت دماغنا لعقود عديدة بما يسمى بالقومية العربية وعلى امتداد نفس الفضاء الجغرافي المذكور، بل وبالتنظير لمصالح هذه القومية (وهي المزعومة) تنظيراً إيديولوجياً وعنصرياً تم (ومازال يتم) على حساب مصالح قوميات أخرى حقيقية في المنطقة.

وإذا كانت كل نزعة قومية في ما يسمى بدول العالم الثالث قد دعت مع مطلع القرن العشرين إلى التحرر من هيمنة القوى الاستعمارية وإلى ضرورة بعث الثقافات الوطنية ضداً على كل تغريب (ثم بعد ذلك ضداً على كل عولمة) فقد صار من حق القوميات المتواجدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تناضل الآن ضد كل تعريب (كخطر عليها أقدم من حيث الزمن من العولمة)، وضد كل التنظيرات العروبية التي لا تعمد فقط إلى تشويه كل نزعة قومية غير عربية، بل وأيضا إلى تحريض النزعات الدينية والطائفية والعرقية ضدها.

ذاك أن التعريب يطرح فكرة القومية العربية كانتماء عضوي يكاد يكون بيولوجيًّا، ويريد فرضه فرضاً على القوميات الأخرى، هدفه صهر هذه القوميات في عنصر واحد هو العنصر العربي رغم أنه أقلية لا شك فيها. هذا بالإضافة إلى كون التعريب يضع رؤية للتاريخ تسمه بالتجانس المطلق وتعرفه بأنه ما كتب بعد مجيء العرب، بل وتجعله ذا هدف واحد هو تحقق الذات العربية دون غيرها، وعلى حساب وجود الآخرين وحرية وكرامة الآخرين.

لقد أتى زمن التصدي للتعريب وتصحيح هذا الوضع الناشز بدفع الأقلية العربية دفعاً إلى التراجع عن غيها، وإلى أن تعترف بجرائمها في حق باقي القوميات وتقدم لها اعتذارها الرسمي، بل وأن توفر لها الدعم اللازم من أجل أن تتمتع بكيانها السياسي المستقل عنها كأقلية هيمنت على المنطقة ظلما وعدوانا.

ـ اليسار: إذا كان أفضل تعريف علمي لليسار هو وجود فئات من البشر لها صفات مشتركة ومصالح مشتركة تتطلب تغيير المجتمع القائم إلى مجتمع أفضل منه سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وكل ذلك ضداً على يمين تتطلب مصالحه الخاصة بقاء المجتمع القائم دونما تغيير، أقول إذا كان الأمر كذلك فيمكننا وضع الملاحظات الآتية حول ما يتعلق باليسار في شمال إفريقيا مثلاً والمغرب تحديداً:

1 ـ أن الشريحة العريضة من الساكنة المغربية والمكونة أساساً من الفئات الأمازيغية يمكن أن تشكل الطبقة التي يعتمد عليها أي يسار محلي في نضاله ضد الظلم والاستغلال لأن لها صفات مشتركة ومصالح مشتركة مقابل يميني عربي مالك للسلطة وكل مؤسساتها القمعية وليس من مصلحته أي تغيير للوضع القائم.

2 ـ إذا كانت الطبقة العاملة هي الطبقة الرئيسية التي تستند إليها الحركة اليسارية عموماً فإن الساكنة الأمازيغية الأصلية هي ما يشكل هذه الطبقة العاملة الكادحة المحرومة في شمال إفريقيا عامة والمغرب خاصة، نظراً لما يعاني منه الأمازيغ من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية بسبب التهميش والإقصاء والاستحواذ التام على ثروات أراضيهم واستنزافها من طرف يمين عروبي قوي، ومن ثم وجب أن تصير مركز نضال اليسار للقضاء على كل أشكال الاستعباد والاستغلال، خاصة وأنها الطبقة الوحيدة التي لا تهدف إلى القضاء على الطبقة المستغِلة لتحل محلها، وإنما تقضي على كل أنواع الاستغلال على أساس أنها منشغلة بتحرير كل المجتمع المغربي والشمال إفريقي بمختلف فئاته المكونة له على اختلاف أعراقها وثقافاتها، وذلك بفضل ما تتمتع به من ثقافة إنسانية منفتحة على كل القيم الإنسانية الإيجابية.

3 ـ أنه لا يمكن الاعتماد على اليسار العربي في المنطقة لتحقيق مطالب الأمازيغ لأن عناصر هذا اليسار تنتمي ـ من حيث قناعاتها الطبقية والسياسية ـ إلى اليسار، ولكنها، لأسباب إيديولوجية وقومية عنصرية، تبقى عناصر ذات مواقف لا تختلف في شيء عن مواقف اليمين الميال إلى المحافظة على الوضع القائم وإبقاء الجماهير الأمازيغية العريضة والكادحة تحت نير غيه وتسلطه.

ـ الفقر: وضع اجتماعي واقتصادي حاولت آلهة كل عصر إقناع الفئات المغلوبة على أمرها بأنه قدر سماوي محض، غير أنه لم يعد في إمكان هذه الآلهة اليوم الاستمرار في خداع الناس، فالناس صاروا أكثر عقلانية، أي أكثر إدراكاً للأسباب الحقيقية الكامنة وراء مآسيهم ومعاناتهم. وتبعاً لذلك لم يعد من الوارد لديهم الانصياع لإرادة أية آلهة (أرضية كانت أو سماوية) تجعل من شروط ألوهيتها وسمات عظمتها التمادي في النيل من كرامة الإنسان وجعله ضحية أبدية لساديتها لا أقل ولا أكثر.

ويبقى الفقر الروحي والإفلاس الأخلاقي أفظع أنواع الفقر كلها على الإطلاق، فمنه تتناسل كل أنواع ومستويات البؤس الإنساني.

ـ الظلم : هو الدين الهمجي لكل مجتمع بشري لم ينضج بعدُ في مسار تطوره الخاص وارتقائه الضروري نحو بلوغ ما هو إنساني نبيل . هو دينه الهمجي بسبب سخريته من طموح الناس الشرعي والطبيعي إلى بناء أيما مجتمع إنساني يضمن لهم كرامة العيش .

هذا ويبقى الظلم دافعاً قوياً لتقدم المجتمعات، فكلما استفحلت مظاهره بمجتمع ما إلا وازدادت نسبة التفاؤل بأن اقتلاعاً ما لجذوره وشيك.

ـ السلام: شعار جميل الكل يعلن عن إيمانه بضرورته الحيوية لبناء مجتمع إنساني فاضل، لكن الكل أيضاً ماض في استعداده لنسف كل إمكانية متاحة لإرساء قواعد السلام متجاهلاً أن لا سلام ولا سلم بغير ذلك الاحترام الواجب عليه لحق الآخرين الطبيعي والشرعي في كل اختلاف وفي كل وجود حر وكريم.

ـ الوطن: أرض يؤلمني (بعد تطليقي أنا الأمازيغية من زوجي العربي وبتلك الطريقة الهمجية التي تم بها على أرض الوطن وأنا في "منفاي" الاختياري) أن أسجل هنا بأن اعتزازي بالانتماء إليها بات مشروطاً، أكثر من أي وقت مضى، بما تضمنه لي من ملامح إنسانيتي، ومن حقوق أمازيغيتي كاملة ً، ومن غير ذلك مُراً سيظل مذاقها في دمي، وبريئة منها سأمضي حتى الموت.

ـ الزواج: مؤسسة اجتماعية غبية وسادية، يظهر ذلك في كونها وسيلة مضمونة لإعادة إنتاج كل وسائل وأشكال ومستويات القهر النفسي والجسدي، مع ما يتبع ذلك من عواقب وخيمة على حياة الأفراد والمجتمع، لذا وجب التفكير في عقلنتها بجد وبما جد، في بعض المجتمعات الشجاعة، من قوانين تهدف إلى ضبط هذه المؤسسة وأنسنتها، وإلا فسيتم التمرد عليها واستبدالها (إن لم يكن ذلك قد حصل فعلا) بأشكال أخرى للارتباط بين الجنسين أكثر تفهماً للحاجيات الخاصة لكل طرف وأكثر احتراماً لإنسانيته.

ـ الحب: ليس هناك أجمل ولا أحلى ولا أعظم من الحب حين يكون عاطفة صادقة وحقيقة دامغة لا شك فيها كحقيقة الموت. الحب ركيزتنا الوحيدة لضمان ما نحن في حاجة إليه من توازن روحي ونفسي واجتماعي.

حين يحضر الحب بقوة وصدق تحضر السعادة بكل ملكوتها وملائكتها، بل تهون كل الآلام وتحلو كل المرارات. وحين يغيب الحب لا يبقى هناك غير جحيم كم هو عصي على إنسانيتنا البئيسة التغلب على كل شياطينه وعذاباته. شخصياً أمضيت حياتي كلها وأنا أعتقد أني قد وجدت الحب، وأني من خلاله قد وجدت الإيمان والتوازن، حتى اكتشفت ألا حب هناك. وإذ ضاع الحب ضاع الإيمان واختلت جميع التوازنات لدي، وأنا الآن بعدهما في قمة إفلاسي العاطفي حتى إشعار آخر.

ـ السعادة: قدر من يختار التمردَ مذهباً عقائدياً وفلسفياً وسياسياً، ضداً على كل منطقٍ مريضٍ لوجود لنا تأبى كل آلهة السماء والأرض إلا أن يكون جحيماً على ساكنته، ولحكمة لو كنا ندريها لهان كل ألم. هذه السعادة الناتجة عن ممارسة فعل التمرد هي سعادة باهظة الثمن ولكنها سعادة حقيقية بالمقارنة مع تلك التي نحصل عليها بالجبن أمام كل استبداد وطغيان أو بالتواطؤ، ضداَ على كرامتنا، وكلَّ الأكاذيب والأوهام.

ـ س: أتمنى أن تزوري كوردستان كلما سنحت لك الفرصة، هل في نيتك هذا؟

ـ ج: التواصل بين الشعوب ذات الهموم المشتركة أمر لن يعود سوى بالنفع على أبنائها، ولو وجهت لي شخصياً أية دعوة في هذا الإطار فلا شك أني سأعجل بالاستجابة لها وبكامل فرح، بل وبإحساس عظيم بالمسؤولية التاريخية إزاء مصالح الشعبيين الصديقين.

ـ س: ما جديدك الثقافي؟

ـ ج: حلمي الكبير أن أنتقم لوالدي "حسن مزان" والذي عاش سنوات طويلة يعمل في القوات المسلحة الملكية جندياً أمازيغيا بسيطاً لينتهي به المطاف إلى الموت في المستشفى الإقليمي لبني ملال، إحدى مدن جبال الأطلس المتوسط، وفي ظروف جد سيئة. أجل حلمي أن أنتقم له ببناء مؤسسة ثقافية في قريتنا "آيت اعتاب"، أضعها رهن إشارة أطفال القرية وشبابها ونسائها، غيرةً مني على المنطقة ورغبة صادقة في إخراجها من الحصار المضروب عليها منذ عقود.

في انتظار تحقيق حلمي هذا المتواضع الجميل وبالرغم من إمكانياتي المادية المحدودة أكتفي الآن بإعداد ديوان جديد للإصدار وكتابة رواية لي هي الأولى، وكذا بوضع اللمسات الأخيرة لكتاب يجمع بين دفتيه حوارات لي أجراها معي عدد من الصحافيين والمثقفين المغاربة والأجانب.

أما بالنسبة لمذكراتي التي كنت قد شرعت في كتابتها فقد توقفت عنها مؤقتاً في انتظار ما ستتمخض عنه إجراءات طعني في قرار طلاقي، هذا الطلاق الذي لم يكن طلاقاً مما اعتادته العلاقات الزوجية في كل مكان من العالم، بل طلاقاً لأسباب سياسية وعنصرية مما جعله شأناً وطنياً وإنسانياً على اعتبار أن الزوج ذي الأصل العربي قد طالب به رغبة منه في التخلص، وبأقل الخسارات الممكنة، من مناضلة أمازيغية عنيدة غيورة على حقوق الإنسان في شمال إفريقيا وحيثما كان.