الاثنين، يناير 11، 2010

مليكة مزان: من المؤسف أن يعلو صوت الضحايا في دارفور على الصوت الجميل لشعب السودان في الشعر وفي باقي الفنون، وعلى هذا الشعب أن ينتفض ضد السياسة العنصرية للعرب والإسلاميين الحاكمين

(حوار أجراه الإعلامي النوبي "صالح شوربجي" لصالح جريدة "الميدان" السودانية)

نص الحوار:

ـ س: أثارني هذا العنوان لما يحمله من معان في حوارك مع الصحافي الكردي عماد علي: "الزواج من رجل مريض بعروبته وعلى سنة الله ورسوله صفقة جهنمية لإعادة إنتاج كل إشكال اضطهاد المرأة غير العربية ومن ورائه شعبها الذي تنتمي إليه"، هل ترسل الشاعرة مليكة مزان بهذا العنوان إشارة بعينها لم نفهمها بعد؟

ـ ج: بكل بساطة هذا العنوان يلخص مرارة تجربتي في الزواج من رجل مغربي كرست لديه المدرسة المغربية إحساسا خاطئا بالانتماء إلى العروبة الخالصة، انتماء لا أساس له في الواقع على اعتبار أن كل المغاربة بل وأغلب الشمال ـ إفريقيين أمازيغ إما بالعرق أو بالجنسية، والهدف من العنوان هو فضح سياسة إذلال الشعوب غير العربية التي ما زال يمارسها العروبيون على هذه الشعوب عبر آلية جهنمية قديمة هي الزواج من نساء هذه الشعوب.

وهي سياسة تستفحل فظاعتها حين تنتبه الزوجة مع مر الوقت إلى بعض ملامح العنصرية في تصرفات الزوج العربي إزاءها، وعندما تنتفض ضدها يكون مصيرها في النهاية هو تهديدها بالطلاق أو تطليقها فعلا بل طردها بشكل تعسفي من بيت الزوجية.

هذه حقيقة للأسف صار يعرفها مجتمعنا المغربي دون أن تصير موضوع نقاش علني نظرا لحساسيته ونظرا لاستسلام الزوجة في النهاية حفاظا على تماسك الأسرة ومستقبل الأطفال.

ـ س: الدين، المرأة، الجنس، هذه الطابوهات حقل ألغام شرقي السمة، أراك تنزعينه من مخابئه الصدئة في تحد صارم وتزرعين في مقابله كل هذه "النهود" و"الأفخاذ"، هل هي محاولة منك لاستثارة الضد لتعريته بشكل ما؟

ـ ج: يغيضني كثيرا أن تغلف الأشياء بكثير من القدسية والتحريم بهدف أن تبقى الحقيقة بحوزة فئة معينة من الناس يظهرونا متى شاؤوا، ولمن شاؤوا وللغاية التي يشاؤون.

ولأني أعتقد أنه من حقنا جميعا امتلاك كل الحقائق المتعلقة بالدين وبالجنس والسياسة، وأن في إخفاء تلك الحقائق خيانة للإنسانية وتلاعب بوقتها الثمين وبمصيرها المشترك فإني أبذل كل ما لدي من جرأة وتمرد ومن قاموس خاص للتعرية والفضح والهدم.

ـ س: أتى سؤالي هذا وقد رأيت أغلب النقاد لنصوصك الشعرية تعاملوا مع النص كشاغل "أنثوي" محض أسس لعقلية هجومية لأتتبع قراءة النص عبر أكثر من زاوية، ألا تتفقين معي بأنك صنعت جريمة لإدانة النص؟

ـ ج: النص الشعري غير المدان في نظري ليس نصا، يجب على النص أن يدان، بل أن يجلد ويصلب كي يكون نصا، وكل جرائمي في الشعر فخر لي، إن كانت عنوان إنسانيتي المغلوبة على أمرها، فهي أيضا بصمات أنوثتي وخطواتها التي أريدها قوية في طريق الخلاص إن كان هناك في الأفق من خلاص.

ـ س: هذا النشاط الفعال على كافة الأصعدة الإنسانية دعينا نجملها كذلك، هل هو بحث عن سببية غائبة أم محاولة تنشيط لحق الإفصاح الثقافي المحلي الإثني الأمازيغي تحديداً، هل الباعث الأساسي في كل هذا هو الخوف من تبعية ثقافية؟

ـ ج: هذا النشاط هو رد اعتبار للذات، هو صوتها العملي الرافض للعدم والمتطلع إلى الصمود والبقاء، وبشكل خاص إلى المشاركة في البقاء بطريقة أصيلة، طريقة لن تفرض نفسها ولن يتحقق لها كل ما تريده من أهداف دون رفض كل تبعية للآخر أو التحرر من كل آخر كطرف نقيض غرضه المحو والإبادة واختزال كل الوجود الإنساني المتعدد والغني في وجوده الخاص عرقا وثقافة وحقوقا في كل المجالات.

ـ س: عبر كافة الأنشطة والمشاركات الثقافية والإنسانية، كشاعرة، ما هو الجهد الذي بذل لحفظ التراث الشعبي والحضاري للشعب الأمازيغي ونقله من الشفاهة إلى التدوين؟

ـ ج: إن كنت تقصد الجهد الذي بذلته أنا شخصيا فأنا في الحقيقة لم أبذل في سبيل نقل الثقافة الأمازيغية من الشفاهة إلى التدوين أي جهد إلا ما كان مني من توظيف بعض المعطيات التاريخية والثقافية في كثير من نصوصي الشعرية. إن مهمة التدوين تلك من اختصاص الذين يتقنون اللغة الأمازيغية والباحثين في مختلف تجليات ثقافتي الأم.

شخصيا وضعت على عاتقي مهمة أخرى: أن أعرف بقضية شعبنا العادلة، وأن أصور محنة هذا الشعب في شمال إفريقيا مع هيمنة الثقافة العربية الإسلامية الدخيلة، ومع استبداد حاملي هذه الثقافة من المتحكمين بزمام أمورنا ومصير ثقافتنا وأرضنا.

ـ س: هل ثمة دراسات أنجزت في هذا المجال، أعني في سلم الفعل الثقافي والمعرفي لعامة شعوبكم كاستمرارية لتجربة مشرقة للشاعر محمد مستاوي في ديوانه "إسكراف" أو "القيود" سنة 1976، وتجربة إبراهيم أمزال سنة 1968 في جمعه لحوالي سبعين قصيدة في ديوان " أمزال"؟

ـ ج : أشكرك أولا على هذا التتبع والاهتمام، لكن دعني ألفت نظرك إلى قولك: "عامة شعوبكم" لأوضح لك بأننا في شمال إفريقيا شعب أمازيغي واحد يعيش على أرض واضحة المجال والحدود، لكن الاستعمار العربي (قبل الاستعمار الغربي بقرون عديدة) هو أصل هذا التشرذم إلى أكثر من دولة واحدة وأكثر من شعب واحد، تشرذم لم يمنع الشعب الأمازيغي في كل شمال إفريقيا من الإحساس العميق القوي بوحدة الهوية والثقافة والقضية والمصير.

أما بالنسبة لسؤالك فهناك فعلا إسهامات كثيرة ومتواصلة من طرف الغيورين على الثقافة الأمازيغية في مختلف مجالات الثقافة والإبداع تقوم بها جمعيات نشيطة وأشخاص مستقلون، إلى جانب ما يقوم بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سواء تعلق الأمر بالنهوض باللغة الأمازيغية أو بالتدوين أو بالترجمة أو مجرد النشر لمختلف الكتب التي تعرّف بالوجود الأمازيغي، تاريخه وعطاءاته.

ـ س: أنا من موقعي كقارئ وأشدد على (قارئ) هذه، ألمح محاولتك لتأسيس "أنثروبولوجيا النص الشعري"، أعني "أنثروبولوجية تاريخية"، هذا من مكمنك ككاتبة "للنص"، هل هذا لتحقيق ذاتية هوية ما؟

ـ ج: طبعا، فكل إبداعاتي هي التزام مني بمناصرة حق كل ذات وكل هوية في التميز، لأنه حق طبيعي ومشروع، بل واجب ومفيد على أساس أن كل تميز هو قيمة مضافة وإغناء للرصيد الوجودي والثقافي للإنسانية. إن من شأن أي تجانس ثقافي أن يقتل ثراء الاختلاف والتعدد، بل وأن يكرس الوجه القبيح العقيم الفقير للحياة والوجود.

ـ س: هذا الأمر يقودني إلى كتابات الشاعر السنغالي "بيراغو ديوب" في قوله الآتي:

"الشاعر الإفريقي روحاني في علاقته مع الأشياء، فهو يقدس روح أسلافه، وهو ويتعامل معها بهالة من الضياء لتمتزج بمفردات الطبيعة كالغابات والنار والصخور".

ـ ج: شخصيا، وفيما تسميه أنت بـ " أنثروبولوجيا النص الشعري " التي أؤسس لها، ليس هناك من تقديس لروح الأسلاف، هناك رغبة فقط في الانتقام لهم، وقبل ذلك في الضرب على رؤوسهم.

لقد ساهم هؤلاء الأوغاد في ضياعنا جميعا حين فرطوا في الأرض وهم يقدمونها في طبق من غباء هدية لدعاة دين أجوف لا يؤمن إلا بقوة السيف، وفي أحسن الأحوال بفرض الجزية على كل ذي كبر وكبرياء.

لقد سلموا الأرض للدخلاء، ونالوا بدلا منها كتابا لا يسمن ولا يغني من جوع. وأنا في شعري أقيم لهم محاكمة قاسية بسبب تلك السذاجة الفظيعة التي ورثنا عنهم تبعاتها القاتلة، ولا ننتفض للتخلص منها الآن إلا قليلا.

ـ س: ألاحظ، من أول إصداراتك الشعرية "جنيف .. التيه الأخر" إلى ديوانك الخامس "متمرداً يمر نهدكِ من هنا" إلى ديوانك السادس "لي في أوج الكفر اعتذارُ الآلهة" (يقصد ديواني الأخير"أنا وباقي الملاعين")، ألاحظ هذا السؤال الديني المُلح، كأنك تحضرين لطقوس شعرية ذات توجهات خاصة على شاكلة هذا المقطع:

" كي نجدنا بحاجة نحن إلي اكتشاف بعيد...
لنكون في مستوى اكتشافنا لا مفر لنا من دين جديد!"

هل تبلورت الفكرة لهذا الاكتشاف؟ دعينا نلج مباشرة إليها!

ـ ج: من منطق الأديان ادعاؤها الفظيع امتلاك الحقيقة، الحقيقة المطلقة التي لا ترد ولا تناقش، في حين أن الحقيقة، كل حقيقة بما فيها حقيقتنا الإنسانية، تكتشف وتبنى عن طريق العقل، وإلا فلن يكون لوجود العقل من معنى.

ولكي نكون في مستوى ذواتنا التي نريدها علينا أن نخترع دينا جديدا عقلانيا يكون منسجما مع هذه الذوات في كل أبعادها وكل تطلعاتها، دينا يستحقني ونستحقه ككائنات ذكية وطيبة، لها ذائقة أخلاقية وجمالية رفيعة، ذائقة ترفض كل أشكال ومستويات القبح والظلم. فقد بدا لي من خلال كثير من تأملاتي أن منطق الكائن الإنساني العاقل الطيب أسلم في كثير من الأحيان من منطق أي إله قدمته لنا ولحد الآن ثقافات الإنسان المختلفة ليتعسنا بمزاجه المريض وساديته القاتلة.

ـ س: الشعر شغف روحي عند محمد علي شمس الدين وقد أوجز ذلك في العبارة التالية: "الدين والشعر دعوتان لتحرير النفس"، كيف ترى مليكة الشعر والدين من موقعها كشاعرة وأستاذة للفلسفة؟

ـ ج: الشعر والدين عدوان كما هي العداوة بين الفلسفة والدين، وكما بدت كل محاولات التوفيق بين الفلسفة والدين، في رأيي على الأقل، محاولات فاشلة، فكذلك الشعر والدين لا يمكن أن نجد أي نوع من التماهي بينهما: ذاك أن الشعر حرية حقيقية لا للنفس فقط وإنما للعقل أيضا، حرية لا تعترف بمقدسات زائفة ولا تقف عند خطوط حمراء، وإن لم يكن الشعر كذلك فهو لن يعدو أن يكون أدبا خائنا للإنسان. وأما الدين، كما هو متعارف عليه، فهو مجال لإهانة الإنسان بالرغم من كل الادعاءات وذلك حين يقيد النصُّ العقلَ، هذا إن لم أقل حين يلغي النص العقل تماما لصالح الجنون والخرافات والأوهام.

ـ س: صور بول ديمان العلاقة بين الأدب والفلسفة بأن"الأدب هو الموضوع الأساسي للفلسفة ونموذج لحقائق تطمح الفلسفة لبلوغها". أهم ما يلاحظ في أغلب أعمالك جنوحها نحو هذا الشكل، هل يعد هذا تأثراً بهذا النمط من أخلاقيات الاعتراف بالنقص والسعي نحو كمال ما عبر الشعر؟

ـ ج: برأيي الأدب الذي يمكن له وحده أن يصير نموذجا لحقائق تطمح الفلسفة لبلوغها هو الأدب الذهني، ذاك الأدب المتأمل للحياة وللوجود بكامل كيانه وجوارحه وأدواته، أما الأدب الذي لا يتفلسف فهو لا يقدم للقارئ العادي أي شيء فما بالك إن كان هذا القارئ مشتغلا بالفلسفة، ولأني أعي الدور الوجودي والمعرفي والأخلاقي الخطير الذي يجب على الشعر أن يلعبه فإني أميل إلى التخصص في هذا النوع من الكتابة الأدبية، بل إن النص الأدبي (الشعري خصوصا) الذي لا انشغالات فلسفية واضحة ولا طموح إلى كمال لديه يكون مآله عندي الهجر والاحتقار.

ـ س: ليتحول النص الإبداعي ككل إلى منظومة معرفية جامعة عندك، هل يستلزم كل هذه الإيحاءات؟

ـ ج: أشتغل كثيرا على النص، عندما أحدس بأنه قد استوفى كل جوانب المشروع الذي أريده منه ليس مشروعي الجمالي فقط (أي تلك القصيدة التي تنكتب بلغة شعرية جديدة ووفقا لمقاييس جمالية خاصة بي هي في نظر كثيرين صانعة أصالتي وتفردي) وإنما مشروعي الفكري والإنساني أيضا، إذاك أطلق سراحه وأنزله إلى معركة الهدم وإعادة البناء، وأنتشي أيما انتشاء وأنا أراقب إنجازاته الرائعة وأتابع فعله المخرب الجميل لما استكان من القلوب والعقول، لما فسد من المجتمعات والثقافات، لما طغى واستبد من السياسات والأنظمة.

ـ س: ما نوع هذا الغموض المخيف الذي تحاولين هتك أستاره في أشعارك، ألا تتفقين معي بأن هذه الأستار محاطة بغيبيات رسخت لها النظم التي تقدس نفسها عبر القمع، وأنها تحتاج أولاً لتفكيك الأصول التربوية والفكرية لمجتمعاتنا؟

ـ ج: فعلا لقد وضعت من بين مشاريعي الفكرية هتك كثير من الأستار التي رسختها الأصول التربوية والفكرية لمجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والواقعة أساسا وبشكل مأساوي تحت هيمنة ثقافة وحيدة ولاإنسانية هي الثقافة العربية الإسلامية.

ولأنها أصول تعتبر نفسها مقدسة بشكل مقيت، والحقائق التي تربي النشء عليها تعتبرها نهائية ومطلقة، ولأن على الكل في نظرها احترام الخطوط الحمراء الموضوعة أمام كل فكر وسلوك، لأن هذه الأصول كذلك أجدني أحرص في كل ما أكتب على إعادة تربية القارئ على التفكير بحرية، والتعامل بانفتاح وشجاعة مع كثير من المشاعر والأفكار الجديدة والتي أحاول تمريرها إليه ليشاركني هذه المغامرة الفكرية والوجدانية الجريئة، مغامرة الهدم وإعادة البناء في مجتمعات تخاف أن تخرج من عباءاتها القديمة النتنة إلى أضواء الفكر والتحرر والكرامة.

ـ س: القارئ لبعض نصوصك، مثل "أغبي الفتاوى أو قصائدي العاهرات؟!" و"لا ترجموني بأي فتوى!"، سيتجه مباشرة إلى موضات تكفير المستنيرين التي صارت تجتاح مجتمعاتنا، هل ثمة حملة معينة استهدفتكِ، أعني مقالة ذاك الشخص المسمى عبد الله المغربي؟

ـ ج: عادة ما أتلقى كثيرا من رسائل الإعجاب والتشجيع، بل والانبهار من درجة الجرأة التي أقوم بها على خلخلة ما هو راكض وعلى التشكيك في ما ترسخ في أذهان الناس من حقائق ومقدسات مذلة للإنسان ومن أفكار رجعية هي مصدر كل ظلم لدينا وخراب، لكن حدث أن حاول بعضهم التشهير بتجربتي الشعرية على أساس أنها دعوة وقحة إلى العهر والكفر، وقد كان منهم هذا النكرة المسمى "عبد الله المغربي" والذي فوجئت به ينشر ما يشبه فتوى مكفرة لي في مئات المواقع على شبكة الانترنت، وقد وجد لدى البعض آذانا صاغية ممن حاولوا إخافتي من الاستمرار في التبشير بمشروعي الفكري التحرري من منبر القصيدة العاهرة الكافرة. وفي هذا السياق جاءت نصوصي اللاحقة، من مثل ما ذكرتَ ، كتحد مني لموجة التكفير المؤسفة.

ـ س: من خلال عضويتك في حركة "شعراء العالم" بزعامة الشاعر الشيلي لويس أرياس مانزو، وهي "حركة عالمية جعلت الشعر في خدمة السلام"، وكذا عضويتك في منظمة "ائتلاف السلم والحرية"، هل يمكن للشعر، في رأيك، أن يلعب دورا في خضم هذه الإشكالات والصراعات التي يعاني منها كوكبنا في راهن الوقت؟

ـ ج: سعدت جدا بانضمامي إلى حركة شعراء العالم، وكنت آمل بعد أن اطلعت على شعارها الإنساني الرائع أن أجد عندها آذانا صاغية لندائي كممثلة لشعبي الأمازيغي لديها (بعد أن كلفني بذلك الكاتب العام للحركة ومؤسسها وقبل أن يسرق مني أحد الأمازيغ شرف هذا التكليف).

أجل كنت آمل أن أنجح في تحسيس الحركة بقضية شعبي ومعاناته مع السياسة الاستبدادية القمعية للأنظمة العربية العنصرية في شمال إفريقيا، والحصول على تعاطف أعضائها ودعمهم، لكن قضية شعبي لم تطرح أصلاً، وإنما حاول الكاتب العام للحركة (من خلال فتح صفحة في موقعها على الأنترنت تحمل اسم تامازغا ضمن دول إفريقيا) أن ينصف الأمازيغ ويعترف بهم وبشعرائهم، لكنه أبقى على الصفحة الخاصة بذلك الكيان السياسي/الأكذوبة والمسمى بالعالم العربي، وهو حل ترقيعي لتطييب خاطر الأمازيغ ليس إلا، في حين كان من الواجب ومن العدل أن تحذف الصفحة الخاصة بما يسمى بـ "العالم العربي"، واستبدالها بصفحة للشرق الأوسط وأخرى لشمال إفريقيا.

ولقد عبرت له ـ ذات لقاء جمعه ببعض المبدعين المغاربة بالرباط في فضاء المكتبة الوطنية ـ عن استيائي من ذلك الحل، بل التمست منه أمام الحضور ألا يغادر أرض المغرب إلا وقد وجه رسالة خاصة إلى الحكومة المغربية يوصي فيها ـ كزعيم لحركة شعرية عالمية تدعو إلى العدالة والسلام ـ بضرورة اعتراف الدولة المغربية بالهوية الأمازيغية للأرض والشعب المغربيين وضرورة احترام كل الحقوق الأساسية لنا كشعب أصلي.

لكنه غادر المغرب ولم يفعل شيئا من ذلك، ذريعته أن خطوة كهذه لا بد من استشارة أعضاء الحركة قبل اتخاذها غير أن ذريعته تلك لم تمنعني من التساؤل:

هل استشار زعيم  الحركة أعضاءها، وهل حصل على إجماع الأغلبية حين توجه سنة 2007 إلى إيران ليصافح رئيسها بحرارة أثارت غيظ رئيس جمعية "شعراء في باريس" الشاعر الفرنسي اليهودي السيد إيفان تيتيلبوم والذي كان أيامها عضوا بارزا في الحركة، بل كان يحضر بمعية زعيم الحركة نفسه لأول مهرجان عالمي للشعر؟!

يبقى على شعراء العالم إذاً أن يحلموا بأي سلام آخر بين شعوب العالم غير السلام الحقيقي على اعتبار أن القناعات الإيديولوجية لكثير من الشعراء، وكذا المصالح المختلفة للبلدان التي ينتمون إليها، تمنعهم من الانتصار للقضايا العادلة والحقيقية للبشرية، فيساهمون بذلك في فشل رسالة الشعر من داخل قارة الشعر وأهلها. غير أننا كشعراء واثقين من قدراتنا على صنع المعجزات سنواصل كفاحنا الخاص من أجل مجتمع إنساني عادل وعلى الرغم من كل العوائق والإحباطات والخيبات.

ـ س: كشاعرة أمازيغية هل ثمة تجارب سودانية في عالم الشعر لفتت نظركِ، أقصد في عموم الأدب السوداني بشقيه القديم والحديث؟

ـ ج: للأسف لم نعد نسمع عن السودان سوى تلك المذابح الفظيعة التي ترتكبها الحكومة السودانية العنصرية في حق أهالي دارفور، لقد غاب صوت الشعر والفن السودانيين خلف صراخ الضحايا والمشردين، ذلك الصراخ الذي هو عار في سجل السودان المعاصر، وعلى الشعب السوداني أن ينتفض لاسترجاع سمعته الطيبة لأن ما يحدث هو أمر مؤسف جدا بالنسبة لكل ضمير حي.

ليس المهم من هم شعراء السودان ولكن الأهم هو: ماذا فعل شعراء السودان من أجل الإنسان في السودان وفي باقي المعمور؟!

أتمنى أن يمتلك هؤلاء الشعراء ما يكفي من الحب والإخلاص للانخراط في التزام قوي بقضايا الوطن، وما يكفي من الضمير والوعي والجرأة لشد انتباه النظام السوداني لفظاعة ما يجري على أراضيهم باسم العروبة والإسلام، بل واستنكار كل ذلك بقوة لعل هدر دم الأبرياء العزل والمس بكرامتهم يتوقفان أخيرا ونهائيا ويعم البلادَ العدل والأمن والسلام.

س: الشاعرة مليكة مزان، هيئة تحرير الملف الثقافي بصحيفة "الميدان" تشكر لك صبرك وتكرمك في الإجابة، وتسعد بحضورك عبر صفحاتها الثقافية، يتلقاكِ عبرها قارئ نهم لمعرفة جديد الحراك الأدبي والثقافي للمغرب الشقيق. مرة أخرى شكراً.