الخميس، مارس 14، 2013

مليكة مزان صوت شعري تجاوز عصره وتجاوز حدود المغرب


في سياق القراءات النقدية المواكبة للتجرية الشعرية لمليكة مزان ، تلك القراءات التي دشن لها نقاد مشارقة من سوريا والعراق ، هذه إحدى القراءات التي شرع النقاد المغاربيون ينجزونها إنصافا لهذه التجربة التي فرضت نفسها بالرغم من كل حصار رسمي محلي مضروب عليها .

بقلم الناقد الجزائري تنقالي عبد الرحمان

بما أن النص الأدبي تجاوز النقد عموما فإننا نجد الكتابات النقدية لا تضيف في أيامنا هذه الشيء اللائق بما يكتبه أدباؤنا وشعراؤنا ، كما أن القراءات قليلة ولا تبحر في النص الشعري كثيرا، ولا تخوض في سراديب القصيدة التي تبقى دائما أبعد بكثير في دلالتها مما نقرؤه من دراسات عابرة ، ومجحفة في حق أدبنا الجميل ، والشيء المحزن أكثر هو أن النقد أقل جرأة بكثير من النص في تركيبته الدلالية ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في عصرنا الحديث الحافل بأسماء مبدعة ...

يقودني هذا الحديث للإشارة إلى الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان ، التي أخص تجربتها الفريدة بمقالي هذا ، هذه الشاعرة الأمازيغية التي تجاوزت عصرها ، ولم ينصفها إلا القليلون . القصيدة لديها اعتلت عرش الجرأة والكبرياء ، بحيث أن معظم الكتابات النقدية لم تضف إلا القليل من الشأن لشاعرة بهذا الحجم ، وهذا يستدعي منا كنقاد الكثير من الجرأة لمواكبة نصوصها الشعرية الثائرة ...

لا أظن أبدا أن هذه الشاعرة تكتب وهي مستريحة على أريكتها القطنية ، وترتشف فنجان قهوتها في باحة بيتها الخلفية ، إنها فضلت الانتحار وتفجير الذات ، وهذا ما يدعونا لاحترام هذا الإبداع المتميز ، فالكتابة على حد اعتقادي هي موت من أجل حياة أفضل ، هي تضحية لقضية ، وما تكتب مليكة مزان يحتاج إلى وقفة خاصة وشحذ الكثير من الأقلام فأين نحن اليوم من الأدب الذي يناضل بشراسة من أجل قضية الإنسان ؟!

إن شاعرتنا بحملها لهم القضية الأمازيغية حملت على كاهلها قضية الإنسان أينما كان ، بعيوبه المفرطة وبمحاسنه الملائكية ، وقصيدتها ضربة سيف فاصلة بين القهر وحق الإنسان في حاجته لتحقيق ذاته .

إن الشاعرة لجأت لطريقة الكي في شعرها لمداواة هذا الجسد الذي اجتمعت عليه الآفات والرذائل ، وهذا قمة في العشق الإنساني ، إن القصيدة التي لا تثير الزوابع يحكم عليها بالموت ، أما قصيدة مليكة مزان ينطبق عليها قول المتنبي

أنام ملء جفوني عن شواردها      ويسهر الخلق جرٌاها ويختصم

إنها شاعرة من طينة خاصة في أصالتها ورفضها وتمردها ، وهي تحاكي الخلود رغم جحود الجاحدين ومحاولة خنق هذا الصوت الأمازيغي الجبلي ، الذي تجاوز تلال آيت أعتاب ، وتجاوز حدود المغرب .

يصفونها بالعهر لأنها عكست عهرنا ، لأنها امتدادنا المفضوح ودليل قبحنا الواضح ، ولن يفيدنا الإنكار، لقد اختارت التمرد على الدربكة والتهليل ، وأطلقت صوت الرفض عوضا عن الزغاريد والرقص مع أنغام الموسيقى الماجنة .

يواكب النقاد الموجة ويهتمون بتراثنا ويعرضون عن أدبائنا الأحياء ، لأن الأدب أصبح يخضع لقوانين العرض والطلب ، وتحكمه الصفقات والمتاجرة ، والنقد الحي يعد سباحة ضد التيار وطيرانا خارج السرب ، لذلك نجد القليل من أدبائنا ونقادنا من اختاروا الطريق الشاق لاعتلاء القمة وليس السقوط إلى القمة .