السبت، يونيو 29، 2013

مليكة مزان وباقي الملاعين


     

انطباعات للصحافي المغربي عبد الرحيم نفتاح
( عن موقع نون الإلكتروني بتصرف )

وأنا أقرأ لأول مرة قصائد ثائرة، جريئة، وبلغة ملغومة جدا، موقعة باسم مليكة مزان، تملكني فضول كبير لسبر أغوار هذه الشاعرة التي خرجت عن الصف، وتخطت الخط الأحمر، وحطمت الرقم القياسي في اللغة الشعرية، معلنة عصيانها نهارا جهارا للدين والسياسة والجنس، ثم تقاطرت علي الكثير من الأسئلة، عن قصة هذه... الشاعرة وخلفياتها وحياتها ودفعتني هذه الأسئلة بداية إلى التفتيش عن حياتها، أفكارها ...

أولى النتائج العاجلة تفاجئني بأن السيدة متهمة بالإلحاد والعهارة وغيرها من أوصاف الزندقة والمروق... هنا سيزداد فضولي، لكن هذه المرة ليس لمعرفة حقيقتها إلكترونيا، بل واقعيا، وأخذت أبحث للوصول إلى خيط يوصلني إلى هذا السيدة، فكرت بداية في مراسلتها من أجل مقابلة صحفية، سأتوصل بعد ذلك برد من الشاعرة ترفض بطريقة لبقة، مضيفة بأن العديد من الصحافيين طلبوا منها إجراء مقابلة صحفية معها لكنها رفضت لأسباب شخصية وأمنية، مؤكدة بأنني سأتعب نفسي دون جدوى..لكن تحت إصرار مني، وبعد تجريب مختلف المحاولات، وبعد صبر طويل، نجحت في إقناعها بإجراء المقابلة لكن بشرط عدم التسجيل.

قبل اللقاء رسمت كل السيناريوهات في مخيلتي، وطرحت الكثير من الأسئلة، كنت متحمسا لمقابلة هذه الإنسانة المتمردة على كل شيء لأغذي فضولي الشخصي وفضول الآلاف من المتابعين لكتابات مليكة مزان داخل المغرب وخارجه.

بجلباب أسود فضفاض نسبيا لايرسم تفاصيل جسدها الذي طالما تغنت به في قصائدها، وبوشاح خفيف طوق عنقها، جاءت اللقاءَ في الزمان والمكان الذي حددناه مسبقا، مبتسمة وجهٍ حافظ على جماله الأمازيغي،( لأن الأمازيغ يعتبرونها أيقونة الجمال الأمازيغي في هذا العصر)، مع هذا الوجه المبتسم، سجلت ثالث الملاحظات(فقد كنت حريصا على ملاحظة أدق تفاصيل هذه المرأة غير العادية) وهو شيء من الارتباك والتوجس وكأن أحدهم يتربص بها، لكن رغم ذلك حاولت أن ترسم على محياها ابتسامة صفراء محاولة طرد شبح هذا الخوف الذي يجثو على قلبها، أخذت المبادرة محاولا مساعدتها في التغلب على هذا الارتباك، الذي قد يربك مقابلتنا، وهو الشيء الذي تأتى مع مرور دقائق الحوار التي تجاوزت المائة.

عندما كانت تتحدث مليكة، كنت بين الحين والآخر أسترق النظر إلى يديها، وقد كانت تفركهما بطريقة تدل على حالة نفسية مضطربة، وكلما عرجت في كلامها على حدث معين تزمجر وتقسو كلماتها ...

ليس من السهل على امرأة كمليكة مزان أن تحيى حياة يطبعها الهدوء والاستقرار، بعد ما عاشت ظروفا عنوانها الأبرز هو المعاناة، كانت تحكي وأراها عصية الدمع، تحكي وكل حكاياتها عن قسوة وظلم و”حكرة” وحرمان و و و

وكلما أمعنت مليكة مزان في قص حكاياتها المحزنة، كنت أراها ضحية لعبة ممنهجة، وخطة وقحة رسمها غيرها ووقعت في شباكها، هذا الغير الذي طلبت مني عدم ذكره في الحوار، لأنه مازال يهدد كيانها، ويعد عليها أنفاسها...

عندما قرأت بعض قصائدها من ديوانها الأخير الذي جر عليها اللعنات، قلت في قرارة نفسي من هذه الشاعرة الملعونة؟ لكن بعد هذه المقابلة، أدركت جيدا بأن ديوان “أنا والملاعين” وعت صاحبته اللعبة التي مورست ضدها، واستطاعت أن تخلص إلى حقيقة واحدة، أن الحالة التي وصلت إليها اليوم، وأن الحياة التي لم تذق منها غير المرارة والشقاء، كان مصدرها هؤلاء الملاعين الذين أثثوا حياتها، ولازالوا يطاردونها.

أقول ليس دفاعا عن مليكة، ولا من باب الشفقة على حالها، ولكن ربما من باب التضامن، مليكة مزان ليست بملحدة ولا بعاهرة ولا بزنديقة ولابمجنونة ولا ولا..مليكة مزان إنسانة تؤمن بالله الخالق ... أكثر من مؤمني هذا الزمن، الذين أكلوا الغلة ونسوا الملة...وإن كانت كتاباتها إلى اليوم تبدو خارجة عن الملة فلأنها تعكس ملة هؤلاء الملاعين الذين لازالوا ينغصون عليها حياتها ...

خلاصة القول أن ليس في حياة مليكة مزان وحدها ملاعين، فحياتنا جميعا يتربص بها ملاعين من مختلف الأصناف والأوصاف ، ومحظوظ من يستطيع أن يحافظ على وعيه وسلامة عقله في حضرة هؤلاء الملاعين !