الثلاثاء، يوليو 16، 2013

الإبداع النسائي جاء ليكسر تقاليد البنى الأدبية


بقلم الناقد المغربي مبارك أباعزي
عن موقع جريدة " العرب " عدد : 16 يوليوز 2013 

احتل السرد الروائي مكانة الصدارة في الآونة الأخيرة ، فيما تراجعت حظوة أجناس أدبية أخرى كانت تعتبر في حقب تاريخية جوهر الأدب وماهيته من قبيل الشعر والقصة والمسرح؛ ففي الغرب مثلا يقبل جمهور القراء على ابتياع الرواية، ولم يعد هناك مجال لظهور الشعر بالشكل الذي كان عليه في ما مضى.

وفي التاريخ الأدبي القديم عند العرب، كانت الأجناس التعبيرية غيرُ الشعرية مدخلا للممارسة الأدبية الحقة، أي قرض الشعر ونظمه، وفي القرن التاسع عشر كان المسرح سيد الأدب وعماده، فيما ظلت الأجناس الأخرى مجرد حصى بين الصخور. أما في العقود الأخيرة فقد شهدت ظاهرة جديدة جعلت أمور الفعل الإبداعي تنقلب عكس المعتاد، أي أن الممارسة الأدبية الحقة هي الكتابة الروائية، دليل ذلك أن الكتاب يبدؤون بالشعر وينتهون بالرواية.

إن أجمل التجارب الأدبية الموقعة بأسماء نسائية هي تلك التي دشنتها أحلام مستغانمي بإصدارها روايتَها الأولى “ذاكرة الجسد”، وجاءت بعدها نصوص سردية أخرى هي “فوضى الحواس″ و”عابر سرير” و”نسيانكم” و”الأسود يليق بك”، لكن ما لا يعرفه الكثير من القراء هو أن التجربة الأدبية لأحلام مستغانمي بدأت بالشعر حينما أصدرت ديوانين هما “الكتابة في لحظة عري” و”على مرفأ الأيام”.

أما تلك الفريدة الأمازيغية المسماة مليكة مزان فقد تشكلت دماؤها من الكلمة الشعرية، فتوجت الأدب الأمازيغي المكتوب بالعربية بدواوين ستة هي :

جنيف .. التيه الآخر
لولا أني أسامح هذا العالم  
لو يكتمل فيكَ منفاي
حين وعدنا الموتى بزهرنا المستحيل
متمرداً يمر نهدكِ من هنا

لكنها أرادت اختبار غواية الرواية بإصدارها لـ " إلى ضمة من عطركِ ! " ، وهذا قد يحيل إلى أن الممارسة الأدبية الحقيقية هي السرد الروائي.

هذا الممر الإبداعي هو نفسه الذي سلكته الأديبة الطبيبة فاتحة مرشيد التي خطت خطوتها الأدبية في درب الشعر بعد أن نشرت باكورة دواوين نذكر منها: “آخر الطريق أوله” و “إيماءات” و”ورق عاشق”. وقد نالت ما تستحقه من شهرة أدبية بعد المغامرات التي أقدمت عليها بعد إصدارها رواية “لحظات لا غير” وأتبعتها برواية ثانية هي ” مخالب المتعة”، ثم برواية ثانية هي “الملهمات”، ورابعة هي “الحق في الرحيل”. هذه الأمثلة التي ذكرناها تعبر عن منظور نسائي إلى فعل الإبداع الأدبي مفاده أن الممارسة الأدبية الحقة تستدعي تجريب الأجناس المختلفة، والتربع فوق عرش الرواية في نهاية المطاف.