السبت، مايو 01، 2010

قراءة مرآوية لأدب مليكة مزان / عبد الوهاب المطلبي*

لعلي أجد أنَّ الإبداع ليس له جنس أو دين أو مكان أو زمان ذلك ما علمني إياه شعر هذه الشاعرة المغربية .. ولعلها فيروزة ممجدة في الأدب النسوي المغربي .
قد كتبت عن الأدب النسوي المغربي إذ تناولتُ إحدى قصائد الشاعرة المبدعة ″ نجاة الزباير″ وقد اتخذت ْ سبيلَ الأدب النخبوي لمعظم قصائدها الشعرية .. وأعجِبتُ بالقاصة المبدعة المغربية ″ بتول المحجوب ″ وقد تناولتها أيضا بقراءة مرآوية ، وكانت لها نكهة الصحراء وما يميزها من أدب الثورة والافتراق المر .
أقف الآن خاشعاً أمام قصائد شعرٍ مميز ، له نكهة افتراق الحمائم واحتراق الياسمين وتعري الينسون فوق جسد التاريخ بفخذيه الماضي والحاضر ... وسيكون موضوعي قراءة عاشقة لقصيدة مليكة مزان ″هذي ملوكُكم اسألوا كبيرَها !″ :
تبدي الشاعرة ُ سخطها على الوجود العربي الإسلامي ...الذي أخفق أن يكون شعاعاً حضارياً ، وربما كانت وريثة نهج وعاظ السلاطين الذي قدم الإسلام وسيلة ميكيافيلية للشعوب التي سادها الانتشار الإسلامي ليس على أساس النضال الإنساني وإنما قدم لها هوية الطلقاء الذي عرف نفسه بأنه إسلام الجواري والتعصب القومي...
فالحكام نواب الله في الأرض ... يسرقون قوت الفقراء ، ويمجدون هبل الذي ارتدى عباءة الإسلام ...
كان إحساسها بأن هذا الرب لم يهبط من سماواته إلا لكي يفوض السلاطين على فرض الظلم ... إن اختلاط لغة الألوان قادها إلى أن العباءة لا تجيد تغطية عاهات مثل هذا الرب المفروض قسراً على سماوات أحلام الإنسانية ... فكان قلم مليكة مزان يقطر الحبر الناري الرافض لكل أنواع العبودية ... !
إنها تجيد توظيف الصدمة من خلال اللغة الكائن التي هي أيضا تستشرف البديل عن إيقاع الوزن العروضي ... أي أن الوزن الشعري في نظرها ليس إلا سلاسل كان يلعب بها هبل المخفي بعناية في جلباب الأمير أو الخليفة الذي رفع المصاحف كتفويض ساخر لإعدام ا لمشاعر الإنسانية ، فتقوى مثل هذا الرب هو احتفالية بعذابات البشر ... لذلك أرى اختيارها لقصيدة النثر تأكيدا لميثيولوجية ثورة الكلمات .
إن حداثية الوعي الذي تعتقده هو من يعطي البعد الفني لشعرها واختيار الإيقاع المنبثق من حرارة المفردات والاستعارات النارية بدلا من الارتماء في دفء التقليد والمحاكاة التي ترفضها مليكة مزان...
لعلها تجيد ترتيل إنجيلها الخاص الذي يمنحها حرية الإرادة الثائرة .. وحين ترفض الخروج من النص الثائر تؤكد أن تجربتها الشعرية اختيار واع ٍ لبصمة رافضة التناغم الهرموني الإيقاعي ، متبنيةً بنيوية أخرى في توظيف الدفق الكونتراس إن صح التعبير ، وكلماتها هي الأخرى كائنات مرآوية حيث يحمل الجزء منها فضاءات كلية على إيقاع موسيقي آخر :
″ حتى يصيرَ الربﱡ ..
على شيءٍ من الهُدَى ..
لا ربﱠ تقـواهُ أنا ،
أنا التي أعلنتـُها
قصائدَ لها بصمتها !
***
لا نص خارج النصﱢ
قد تبين الشعرُ من الغيﱢ
هذي ملوككم اسألوا كبيرَها !
***
حتى يصيرَ الربﱡ ..
على شيءٍ من الهُدَى ..
لكم أيها الطلقاءُ واسعُ الخطابِ ،
ولي ما لا يتسعُ لغير بصماتي :
جمعة ً ، جمعة ً ..
أقضم الفاكهة َ التي ..
حرامٌ قطفها ،
أما الربﱡ الذي أنا سلالته ُ ...
فأعلمه ُ حُبي ! ″
لله درك أيتها الأديبة وأنت تتناولين الهموم الإنسانية بلغة التحدي ، مصورةً تلك المعاناة والغربة وصراعها من أجل إحضار الدعائم التي تعزز إنسانية المرأة الثائرة ، واضعةً بصمة صدق دون مداهنة للواقع العربي المريض ... وليتها تدرك أن الأرباب التي تتناسل من ذكورية هبل المتسربل بسرابيل الإسلام ليس في الحقيقة الإسلام المحمدي ...
إن قصائدها تشير إلى وعيها الباذخ في إثبات الذات بعيداً عن سماوات ملونة بمباركة وعاظ السلاطين ...
نصوص مليكة هي خروج عن عهر المألوف وتحدياً له بامتياز لتوظيف لوعتها كأنثى عبر صرختها الأزلية في كل قصيدة يفسرها البعض بغباء ، لكنها ( أي مليكة ) تبحث عن الطهر الإنساني بدون سلفنة !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الوهاب المطلبي : شاعر وناقد عراقي