الجمعة، سبتمبر 20، 2013

مليكة مزان : استقبال أحمد عصيد للوفد الإسرائيلي شرف أحلم به !

(حوار أجراه الصحافي المغربي حسن الأشرف لصالح موقع هيسبريس)

مقدمة الحوار:

بعباراتها الساخرة والمستفزة التي لا تعرف للتنميق سبيلا قالت الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان، التي يصفها البعض بالراديكالية وآخرون بالأمازيغية المتمردة، أن الذهاب إلى إسرائيل تحت أي غطاء لا يخفي تحته أسلحة الدمار الشامل هو "حج" مبرور سيغفر الله لها معه ما تقدم من ذنبها وما تأخر.

وجوابا على سؤال لجريدة هسبريس الإلكترونية حول رأيها في مبادرة الناشط الأمازيغي أحمد عصيد وغيره باستقبال وفد إسرائيلي أخيرا بالمغرب أثنت الشاعرة مليكة مزان على فعل أحمد عصيد واصفة استقباله للإسرائيليين بأنه "شرف كانت وما تزال تحلم به ولم تحصل عليه بعد"*.

وفيما يلي نص الحوار مع الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان كما أجريناه معها مشتملا على أربعة أسئلة مركزة ومحددة.

نص الحوار:

ـ س: الأديبة الأمازيغية مليكة مزان.. خلقتِ الحدث قبل أيام قليلة باعتصامك داخل مطار محمد الخامس بالدار البيضاء احتجاجا على عدم إدراج الأمازيغية ضمن خدمات ومرافق المطار بعد أن تم رفض استمارة وصولك التي دبجتِها بحروف تيفيناغ...

فما جديد قصة اعتصامك بالمطار؟ وهل ترين حقيقة تلبية تضمين الأمازيغية في خدمات المطار أمرا ممكنا؟

ـ ج: لأننا تعودنا في بلد كالمغرب أن يُستخَف بأي اعتصام هدفه صون كرامة المواطن خاصة حين يكون اعتصاما أمازيغيا، سأقول بأن الجديد الذي يمكن التحدث عنه لا يتعلق فقط بالاعتصام الذي قمت به احتجاجا على تغييب اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في مرافق المطار ـ في انقلاب سافر من الدولة على الدستور "الجديد" وعلى اختيارات الشعب)، بل هو ذاك الجديد الذي تجسد بوضوح في نجاحي في جعل التعامل الرسمي للدولة مع حق الاعتصام عامة تعاملا حضاريا لم يسبق له مثيل، فقد تصرفت سلطات المطار مع اعتصامي بدرجة كبيرة من الاحترام والجدية.

يعود ذلك إلى وعيها بأهمية المطالب التي رفعتها في الحفاظ على استقرار المغرب، كما يرجع حسن تعاملها ذاك إلى انتباهها إلى أهمية المكان الذي شهد اعتصامي في صنع سمعة المغرب لدى الأجانب كما لدى الجالية المهاجرة الأمازيغية، تلك الجالية التي تتخذ من المطار نقطة عبور إلى بلدان غربية تلاحظ يوميا أن صروحها القوية لم تبن سوى على الديموقراطية الحقة التي تتفنن يوميا في مزيد من احترام اختيارات المواطنين والوفاء لهم بحرياتهم وحقوقهم الإنسانية.

أما عن إدراج اللغة الأمازيغية ضمن خدمات المطار فهو إنجاز لا يتطلب سوى السلوكات المؤكدة لكل التصريحات السابقة الحسنة للمسؤولين، ولن نقبل أية مبررات إضافية لمواصلة تغييب اللغة الأمازيغية، لأنها مبررات لن تفعل شيئا سوى مزيد من إسقاط الأقنعة عن كل خطابات الدولة الرسمية في مجال حقوق الإنسان والشعوب.

ـ س: بعض الأصوات تتعالى مطالبة بترجمة النشيد الوطني المعروف إلى اللغة  الأمازيغية، هل ترين وجوب تحويل نشيد البلاد إلى اللغة الأمازيغية؟ وما موقفك بخصوص هذا الشأن؟

ـ ج: في أي بلد لا معنى إطلاقا لأي نشيد وطني يردده الكل، ولكن لا يفهم معناه أحد ما دام النشيد لم يحرر بلغة الشعب، وما دامت مضامينه لا تعبر عما كان الشعب سيختاره لو كان شعبا غير مسلوب الإرادة والوعي، لا عجب إذاً أن نسمع عن ارتكاب كثير من الخيانات في حق هذا البلد.

النشيد الوطني، مثل الصلاة، قبل أن يكون ترديده إنجازا ظاهريا هو إنجاز وجداني باطني مؤسس على كثير من القناعات، ومجاله الأول والأخير هو الإيمان والصدق في ذلك الإيمان. وبما أن الإيمان الحق لا تضمنه سوى اللغة الأم التي يتحقق بها في العقل والقلب، وبما أن المغرب بلدنا الأمازيغي كل شيء فيه مستورد وكل شيء فيه مفروض وبلغة أخرى غريبة غير لغة الشعب..  فما عليك إلا أن تنتظر أن يكون كل شيء فيه مشوها وناقصا حتى الإيمان، حتى حب الوطن، حتى الفن.

والحال هذه فإن ترجمة كل شيء يتعلق بحياة الشعب، وكرامة الشعب، وقناعات الشعب، ومصالح الشعب، إلى لغة هذا الشعب تصير واجبا وطنيا وقوميا لا يقل عن أي واجب آخر، واجب حين لا يؤدى على أحسن وجه لا يمكن التعامل معه إلا كما يتعامل مع أي خيانة عظمى لا تغتفر.

ـ س: أثار استقبال الناشط أحمد عصيد، بمعية آخرين، لوفد إسرائيلي بالمغرب قبل أيام خلت، والذي يتكون من طلبة وأساتذة جامعيين، انتقادات واتهامات لهؤلاء النشطاء الأمازيغ بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ما موقف الشاعرة مليكة مزان من مبادرة أحمد عصيد واستقباله لهذا الوفد الإسرائيلي، وهل توافقينه على هذا التحرك؟

ـ ج: أحمد عصيد صديق كبير لي وأنا فخورة به، بل وعاشقة لفكره ونضاله، ذاك أننا نتقاسم كثيرا من القناعات غير أني أكثر شجاعة منه وأميل إلى الإفصاح عن قناعاتي الحقيقية الخاصة، وبما يجب من صدق وراديكالية مشرفة. ولأني لن أكون سوى تلك الكاتبة الشفافة، وغير تلك المناضلة الراديكالية سأقول بأنه (أحمد عصيد) باستقباله للوفد الإسرائيلي قد سبقني إلى شرف كنت وما زلت أحلم به ولم أحصل عليه بعد .كما سأقول بقراءة مني لهكذا تحرك منه ـ قراءة أفضل أن تشبهني في ذلك التغاضي الدائم من طرفي عن سيئات أحمد عصيد الإنسان والمثقف على حد سواء وهي كثيرة ـ سأقول بأنه قد تصرف طبقا لشيء واحد:

ضميره الإنساني المشبَع حد الهوس بمحبة الآخرين، وبالسعي الجاد والمتواصل واللامشروط إلى مد كل الجسور الجميلة الممكنة إلى عوالم إنسانية نريدها جميعا متحاورة متسامحة رحبة تسع الكل بما فيهم أولئك الذين قدر لنا أن ندرجهم في قائمة الأعداء ظلما وعدوانا. هما محبة وسعي لن يحققا أي هدف لهما إلا بالتعالي على تلك الأنانية الباعثة على الاشمئزاز لدى المحتجين على هكذا تواصل إنساني حضاري مع الإسرائليين، وبعدم الالتفاف إلى مشاعر الحقد والكراهية المتمكنة من قلوب أولئك المنتمين، خطاً، إلى بلدنا الأمازيغي الكبير، بلد نعمل سويا أنا وأحمد عصيد (وبمعية مثقفين أمازيغيين آخرين (بكل من الجزائر وتونس وليبيا ومالي) على أن يمضي، أبدا وبامتياز، بلد الانفتاح والتسامح.

ـ س: ماذا لو تم استدعاؤك مثلا لزيارة إسرائيل تحت أي غطاء ثقافي كان، هل ستذهبين؟

ـ ج: الذهاب إلى إسرائيل تحت أي غطاء لا يخفي تحته أسلحة الدمار الشامل لأي شعب من شعوب الله التي يريدها آمنة سعيدة هو "حج" مبرور سيغفر الله لي معه ما تقدم من ذنبي وما تأخر، "حج" أعود بعده إلى مغربي الأمازيغي الكبير طاهرة كما ولدتني أمي أول مرة في أعالي الجبال.

أن أذهب إلى إسرائيل أهون عليَّ وعلى ضميري ـ كمثقفة أمازيغية علمانية إنسانية ـ من أن أذهبَ إلى أداء مناسك أي حج وثني في أي بقعة من العالم، أو أن يذهب إليَّ آخرون بأكثر من نية سيئة وإيديولوجيا قاتلة، وأفتح لهم عند وصولهم إلى حدودي كل نوافذي وأبوابي، وأضع يدي الخائنة في أيديهم الوسخة ومن أجل شيء واحد:

مزيد من إبادتي وتشريدي كما وضع أيديهم فيها أجدادي الأغبياء .