الجمعة، سبتمبر 20، 2013

مليكة مزان : لا يصنع الأمازيغ من الثورات إلا تلك التي يقضي بها عليهم أعداؤهم

(حوار أنجزه الأستاذ كريم إسكلا لصالح موقع دادس أنفو، 
وقيل بأنه تعرض لمضايقات من طرف السلطات المغربية بعد نشره)

نص الحوار:

ـ س: الأستاذة مليكة، ماذا قدمت لك "آيت عتاب" كمسقط لرأسك، وماذا قدمتِ لها؟

ـ ج: آيت عتاب قدمت لي ذاك الإحساس الجميل والحزين في نفس الوقت بالإنتماء إلى أرض تامازغا، وشعب تامازغا، وأمجاد تامازغا، وجراحات تامازغا.

أما ما قدمته شخصيا لآيت عتاب فهو التمرد على مهنتها كعاهرة تعودت بيع جسدها من خلف حجاب وعلى سجادة صلاة وبدون أي مقابل.

ـ س: ماذا تبقى من مليكة مزان الطفلة؟

ـ ج: مليكة مزان طفلة لا تشيخ، فمازالت لديَّ قدرة على الضحك العالي رغم كل أشكال الإهانات التي تعرضت لها، والأهم أني ما أزال أحافظ على كثير من عناد مليكة مزان الطفلة الذي صنع شخصية مليكة مزان الراشدة وأشعارها وكل أشكال نضالها في سبيل كرامة المواطن الأمازيغي.

ـ س: نبدأ من نضالك بالكلمة الشعرية والشاعرية، إلى أي حد للشعر والأدب عامة  تلك القدرة على التغيير؟

ـ ج: للشعر ما للماء من قوة على نحت الصخر وتشكيله، وأنا على يقين من أن الصخر المغربي بدأ يتشكل حسب ما تريده له أشعار كل المجانين الذين يعشقون هذا الوطن.

ـ س: لو لم يخترك الشعر، ماذا كنت ستختارين كوسيلة للنضال والتعبير؟

ـ ج: لو لم يخترني الشعر لكنت اخترت الشعر، أقصد الشعر الذهني الفلسفي. لقد تأكدت أني لا أصلح سوى لاقتراف مثل هذا الفن.

ـ س: في مملكة الأدب اخترتِ.. "أن تعكري مزاج الرب وأن تزني مع أيما عصفور يهرب من غلمان الجنة"،  لماذا لم تختاري أن تكوني من الملائكة أو من الحور العين؟

ـ ج: في مملكة الأدب، وعن سبق إصرار وترصد، اخترت أن ألعب دور مخلوقة أرضية تجد سعادتها البشرية في الإشفاق على ملائكة السماء مطيعين منهم ومتمردين، تماما كما تجدها (هذه المخلوقة الأرضية) في تعاليها عن أن تكون واحدة من الحور العين، وكل ذلك كرد فعل منها صارخ قوي على كل منطق ذكوري، أرضي أو سماوي، عرفناه لحد الآن في أكثر هذياناته المدمرة.

هذا الدور الذي أعتقد أني أديته بنجاح هو إنجازي الأدبي الرائع، وأنا راضية عنه كل الرضى.

ـ س: هل صحيح أن أغلب خصومك من الأمازيغ مع أنك مناضلة أمازيغية؟

ـ ج: للأسف هذا صحيح . وحين سأكتشف أن خصومي من الأمازيغ هم رجال حقيقيون سأعترف للجميع بأني مناضلة غير مشرفة للقضية الأمازيغية، بل وسأعتذر بعدها  وأعتزل.

لكن لحد الآن أنا على يقين من أن خصومي الأمازيغ هم أشباه رجال، وأنصاف أمازيغ، أو هم فقط بقايا أمازيغ كانوا هنا، ثم اضمحلوا فجأة وانتهى أمرهم.

ـ س: هل فوت الأمازيغ فرصة تاريخية عندما لم يستغلوا موجة "الربيع الديموقراطي"  لتحقيق ثورتهم؟

ـ ج: بل يمكن القول أن الأمازيغ لا يصنعون من الثورات سوى تلك التي بها يقضي عليهم أعداؤهم، ولا أعرف من أين لهم جميعا بكل هذا الغباء الذي يجعلهم يضيعون كل فرصة تاريخية نادرة لإعادة الاعتبار لوجودهم؟!

ـ س: القضية الأمازيغية هل ينطبق عليها القول بأنها قضية عادلة بمحام فاشل؟

ـ ج: القضية الأمازيغية من أسوأ قضايا الإنسان العادلة حظا، فهي قضية لا يدافع عنها محامون فاشلون فقط، بل هي قضية بلا شعب ولا زعيم، وربما بلا مستقبل، وهو مصير لا أريده لها إطلاقا لذا يراني الجميع أصر على الرفع من صراخي الأمازيغي أعلى فأعلى حتى إنصافنا الكامل.

ـ س: ما سر عدائك للعرب، كما يتهمك خصومك، إلى درجة أنك تحملينهم مسؤولية الإساءة إلى الإسلام؟

ـ ج: وهل يحتاج ما تسمونه "عدائي" للعرب ولمن يدور في فلكهم من عبيد إلى مبررات وتفسير؟!

يا أخي، جرائم العرب وعبيدهم في حق الآخرين كافية لأن تجلب عليهم ليس سخط الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان فقط، بل سخط العالم كله، بل وسخط تلك السماء التي يتفاخرون دائما بما يسمونه "الجهاد المقدس" في سبيل إشراق أنوارها ولمعان نجومها، وهم في الواقع لا يفعلون شيئا سوى دفع كل من الملائكة والجن دفعا إلى النفور منها وإعلان كفرهم بها.

ـ س: هل تعتقدين أن المشكل في الإنسان العربي كإنسان أم في ثقافته؟

ـ ج: الإنسان العربي هو مبدع الثقافة العربية بما لها وما عليها، ولا يمكن بأي حال الفصل بينهما، فالمشكل فيهما معا، وسيظل قائما فيهما معا ما لم يستيقظ ضمير هذا الإنسان، وما لم يرقَ بمنطقه وذوقه، وما لم يتنكر لكثير من التجليات الهمجية لهذه الثقافة ويبدع لنفسه وللعالم غيرها مما قد يشرف انخراطه الخاص في التأسيس لحياة إنسانية أجمل.

ـ س: هل ستحل مشاكل المغرب بمجرد أن يلقي الملك خطاباً بالأمازيغية؟

ـ ج: إلقاء الملك لأي خطاب له باللغة الأمازيغية، اللغة الأم للشعب المغربي، هو سلوك مواطن سيشرفه وسيقربه من الشعب الذي هو لحد الآن ما زال بعيداً عنه.

كما أنه سيكون بمثابة نزول منه واجب من فوق برجه العربي العاجي إلى حيث يئن الجسد الأمازيغي في كينونته المتميزة العريقة.

غير أن أي خطاب ملكي باللغة الأمازيغية ليس له أن يحل مشاكل المغرب، بل سيكون فقط إحدى السلوكات الصحيحة والمبادرات العقلانية نحو بداية حل شامل لتلك المشاكل.

ـ س: هل تلقيت ردا على رسالتك التي طالبت فيها رئيس الحكومة بالتفعيل الفوري لمقتضيات الدستور الجديد فيما يتعلق بالهوية الأمازيغية للأرض والشعب المغربيين وبحق المغاربة أجمعين في كل عيش كريم؟

ـ ج: رئيس الحكومة الإسلامي الحالي مهووس أكثر بإرضاء شخصين اثنين في مهمته الحالية: زوجته في بيته، وملكه على عرشه.

وأما أن يجيب على رسائل مواطنة أمازيغية متوجعة مثلي بسبب ما يطال انتماءها ووطنها وشعبها وثقافتها من حيف فليس من دين رئيس الحكومة هذا، ولا من خُـلقه، ولا من أجندا تدبيره للشأن العام لبلده.

ـ س: "آخر كلمة أقولها في حق هذا العالم: البصق"، هكذا قلت في إحدى قصائدك، هل يستحق العالم هذا البصق؟

ـ ج: هات وجه العالم أمامي وسترى إن كنت سأتردد في البصق عليه ولو لثانية واحدة!

ـ س : تحاولين تكسير كل طابو وكل ممنوع، والبعض يفسر ذلك بنزعة نحو الشهرة وإرادة الظهور، ما ردك على ذلك؟

ـ ج: أولا أنا لا أحاول تكسير كل طابو وكل ممنوع، لقد تجاوزت هذه المرحلة في نضالي لأني حطمت فعلا كل الطابوهات وتجاوزت كل الخطوط الحمراء، وإذا كان البعض يظنون أني إنما أفعل ذلك فقط رغبة في الشهرة والظهور ليس إلا، فما الذي يمنعهم من الاقتداء بي؟!

يا سيدي، دوافعي ليست على هذا القدر من التفاهة والبساطة، وهدفي يتعالى عن أن يكون مجرد نزوع مريض إلى شهرة سريعا ما تخبو أضواؤها الباهتة لأقف بعدها أمام أنظار التاريخ عارية من كل معنى وقيمة ومجد.

ـ س: لماذا لست في حاجة لأمير المؤمنين؟

ـ ج: لأن الدين والإيمان ليسا من شروط المواطنة في شيء، بل لا يجب أصلا أن يكونا من شروطها، ولا أن يكونا من الأسس الضامنة لاستمرار أي نظام للحكم ولا لإقامة عدل أي حاكم.

هي نصيحة لشعب، كما هي نصيحة لملك من المفروض أن يكون أذكى، لأن اليوم الذي سيفقد فيه المغاربة الإيمان أو يصير بالنسبة لهم شأنا شخصيا لا يقبلون أن يكون أي مسؤول وصيا عليه، ذاك اليوم سيفقد الملك فيه صلاحيته وعرشه، كما سيفقدهما كل ملك مغربي علوي يأتي بعده ويحتاج مثله إلى إيمان المواطنين كي يحكم أو يسود ويكون.

على الملك أن يسهر على الاستجابة لحاجيات المواطنين المادية الملحة والتي لا يمكن تصور أي كرامة لهم من دون إشباعها، أما حاجياتهم الروحية فهي مجال أكبر من أي سلطة له عليهم.

ثم أين يضع الملك المواطنين المغاربة الذين يعتنقون الآن ديانات أخرى وكذا الملحدين منهم على طول وعرض الخريطة الروحية الموهومة التي يحلو له التشبث بها وفرضها على المملكة لأسباب محض سياسية؟!

بل إني لأرى أمارة المؤمنين لا تفعل شيئا سوى تحريض فئات من الشعب المغربي على فئات أخرى، إنها من أسباب زرع الكراهية بين العقائد الدينية المختلفة التي شرعت تتشكل منها الحياة الروحية للمغاربة، وذلك بالنظر إلى ما في المغرب من عقول فاسدة وقلوب مريضة ترى أن الإيمان إما أن يكون إيمانا في إطار من الإسلام أو لن يكون.

ـ س: هل يحدث أن يثور عليك جسدك؟

ـ ج: كل نضالاتي هي استجابة للثورة التي أعلَنتها ضدي جسدي سواء في بعده الخاص أو بعده الوطني والقومي، هو جسد متمرد على الجراح، وهو ما يملي عليَّ كفري وجنوني وصرخاتي، وقد أمضيت سنوات وأنا أنصت لأناته، وأخدمه بكامل إخلاص.

ـ س: ألم تشعري يوما ما أنك تمارسين الشوفينية ذاتها والاستبداد ذاته اللذين تنتقدينهما عند غيرك؟

ـ ج: إذا كنت ترى في استنكاري للظلم الذي طال أرضي وشعبي وثقافتي أي نوع من أنواع الشوفينية وكراهية الآخر فتبا لكل منطق كهذا، ولك الله يا كل مظلوم ، بل ومرحبا بكل شوفينية!

ـ س: ملاعين مليكة مزان.. هل هم عفاريت وتماسيح عبد الإله بنكيران؟

ـ ج: لعبد الإله بنكيران عفاريته وتماسيحه التي يبرر بها فشله في الوفاء لأصوات الناخبين وتدبير الشأن العام، ولمليكة مزان أيضا عفاريتها وتماسيحها لكنها لا تتخذهم مبررا كي تتخلى عن الشعب أو تخون قضاياه.

 ولعل من أخبث العفاريت والتماسيح التي انضافت أخيرا إلى قائمة ملاعين مليكة مزان (المكونة من زعماء سياسيين عنصريين ومثقفين صامتين ورجال دين متعسفين) هو عبد الإله بنكيران نفسه!

ـ س: مفاهيم للتعريف باختصار حسب الشاعرة المناضلة مليكة مزان: الإلحاد؟ الإسلام؟ العلمانية؟

ـ ج: الإلحاد استراحة، قد تكون مؤقتة أو دائمة، لمن أتعبه البحث عن إلاه ليس كأي إله، بل ذاك الإله صاحب العقل المتزن والذوق السليم والصدر الرحب، أي ذاك الذي يجد فيه الجميع ما هم في حاجة إليه من حب وتفهم ورعاية وغفران.

وأما الإسلام فقد كان بالإمكان أن يكون الدين الأرقى الذي يوحد البشر في رحلتهم نحو الله على أساس أن الله حق وخير ونور، لكنه لم يزد البشر إلا شتاتا وتيها...

وأما العلمانية فهي ذاك الحل المدني العقلاني الذي لا بد منه لمشاكل أي مجتمع ذي نوايا صادقة في إنصاف جميع أفراده وفئاته، بإمتاعها جميعا بكل ما لها من حقوق وحريات  .