السبت، يناير 04، 2014

مليكة مزان : آرائي الصادمة هي العلاج الشافي لما يسود مجتمعنا من إلغاء فظيع للعقل

(حوار أنجزه الإعلامي المغربي تقي الدين تاجي، وكان ينوي نشره لاحقا بجريدة "الأخبار" المغربية التي يديرها رشيد نيني، 
ولكنه تراجع عن نشره بعد أن رفضتُ إجراء أي تعديلات مقترحة منه على تصريحاتي)

نص الحوار:

ـ س: كناشطة أمازيغية كيف تلقيت النكتة التي استشهد بها المقرئ أبو زيد في إحدى محاضراته عن بخل تاجر من عرق معين والتي اتفق عدد من المتابعين على أنه يقصد بها الأمازيغ؟

ـ ج: طبعاً النكتة مست في الصميم اعتزازي بانتمائي العرقي والثقافي، وأتمنى أن يرد عليها الأمازيغ بنفس الاستنكار الذي عادة، وفي كل أنحاء العالم، ما يرد به أولئك الذين تحركهم ما يسمونها "مشاعر الغيرة الصادقة" على دينهم أو رسولهم أو باقي مقدساتهم. مع فارق كبير طبعاً وهو الحفاظ على ذاك الطابع السلمي الحضاري الذي تتميز به عادة كل احتجاجات الأمازيغ على ما يلحق بهم من كل أنواع الأذى المقيتة والتي يندى لها جبين الضمير العالمي الحي.

ـ س: الفقيه الزمزمي وصف ما قاله المقرئ أبو زيد بالأمر العادي، ما رأيك في ذلك؟

ـ ج: إن ما هو عادي جداً في المغرب هو أن تمارس كل أشكال العنصرية في حق الأمازيغ ولا تكون هناك ردة فعل قوية لا من طرف الدولة، ولا من طرف المجتمع، ولا من طرف المثقفين، ولا من طرف رجال الدين أنفسهم لتجريم ومعاقبة هكذا سلوكات. وليس الفقيه الزمزمي إلا واحداً من الذين يريدون تربية الأجيال المغربية الصاعدة على مزيد من ثقافة التطبيع والتعايش مع كل أشكال العنصرية ضد أهلهم الأمازيغ وثقافتهم الأصلية الإنسانية.

بل إن ما هو عادي جداً في المغرب، وكلما تعلق الأمر بحقوق الإنسان، هو أن يتم الكيل بمكيالين:

فمشاعر الأمازيغ ومقدسات الأمازيغ لا تساوي شيئاً أمام مشاعر العرب ومقدسات العرب وخرافاتهم وأصنامهم.

وتبعاً لذلك على كل من يأتي إلى المغرب ويشرب من مياه المغرب، ويأكل من خبز المغرب، وينكح ما شاء له دينه من نساء المغرب، ويغتصب أطفال المغرب، وينهب ثورات المغرب، ويخدر شباب المغرب، ويدنس سمعة المغرب، ويسفه ثقافة المغرب، ويلغي ذاكرة المغرب، ويزوِّر تاريخ المغرب، ويهين رموز المغرب ووو... أن يطمئن تماماً:

فمغربنا العزيز، في ظل كل الحكومات العربية الإسلامية التي تعاقبت وقد تتعاقب على تدبير الشأن العام فيه، سيمنحنه ما يحتاج إليه من حصانة مطلقة، ذاك أن المغرب وحده ـ من بين كل بقاع العالم ـ يعاني حساسية مفرطة لكل قانون يعاقب على هذا النوع من الجرائم، ذاك أنها جرائم ترتكب في حق الأمازيغ، وربما هنا يتجلى الاستثناء المغربي العجيب.

ـ س: ينتقدك كثيرون بسبب آرائك المثيرة للجدل والتي يعتبرها البعض صادمة، ألا تزعجك هاته الانتقادات؟

ـ ج: آرائي الصادمة هي العلاج الشافي لما يسود مجتمعنا من إلغاء فظيع للعقل ومن محاصرة مقيتة للذوق السليم، بل إن صدم العقول الراكدة الفاسدة اختصاصي وواجبي التاريخي الأخلاقي والإنساني.

أما الانتقادات فهي، بالعكس تماماً، تقويني إذ تمنحني مزيداً من الشرعية الموضوعية لمواصلة تطهير العقول والقلوب مما علق بها من شوائب إيديولوجية معيقة، ففي الوقت الذي أكاد أطمئن إلى أني نجحت تماماً في تلك المهمة النبيلة أنتبه بفضل تلك الانتقادات إلى أن ما زال هناك الشيء الكثير مما يجب عليَّ القيام به ولكني لم أقم به بعد.

ـ س: اعتصمت مؤخراً داخل مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بسبب غياب اللغة الأمازيغية في كتابة وثيقة الوصول، وتلقيت بعدها وعداً من إدارة المطار بإدراج اللغة الأمازيغية، فهل تم الالتزام بذلك فعلاً؟

ـ ج: مطار محمد الخامس الدولي الذي شهد احتجاجي واعتصامي جزء من أرض المغرب الخاضع للحكم العنصري، وفي المغرب لا يحتاج المسؤولون إلى تعليمات دائمة تأتيهم من فوق لإهانة المواطنين ومواصلة القهر، فهم يعرفون التوجهات الحقيقية للدولة ، ولكنهم يحتاجون دائماً إلى تلك التعليمات حين يتعلق الأمر بتنزيل القوانين العادلة المنصفة وتفعيل كل الأشكال الإيجابية للتغيير.

انطلاقاً من ذاك المطار، كجزء من أرضنا يرفض التغيير، يبدو أن ما زال على شعبنا الأمازيغي التفكير في انتفاضات قوية حقيقية عساه يتذوق، هذه المرة، طعم كرامة عصية لا يتمتع بها على أرضنا المضيافة حتى الآن سوى الوافد والغريب.