السبت، سبتمبر 06، 2014

مليكة مزان : أمقت مؤسسة الزواج كما هي متعارف عليها لدينا مقتا شديدا




(حوار أجراه الأستاذ حسن أبو عقيل لصالح جريدة "منبر الشعب" المغربية)

نص الحوار:

ـ س: تحية للشاعرة مليكة مزان وأهلاً وسهلاً بك. بعد الضجة التي أحدثتها من خلال ما وضعته من إعلان لعرض خدماتك الجنسية على الجيش الكوردي، نود أن نفتح معك هنا حواراً تعميماً للفائدة ، فهل أنت مستعدة أستاذة للإجابة؟

ـ ج : تفضل، سيدي.

ـ س: حتى لا يعيش الرأي العام الوطني محنة الاستفسار عن تصريحاتك حول وضع خدماتك الجنسية رهن إشارة الجيش الكوردستاني، ما هو قصدك بالضبط والذي ربما لم يع به المتلقي لخبر التصريحات؟

ـ ج: ما أقصد منه بالضبط هو أن يعرف الشعب الكوردي أن هناك من يتعاطف معه في  مأساته الطويلة حتى ولو اقتضى ذلك التعاطف أن "نسلك" نفس الطرق الهمجية التي يسلكها أعداؤه. هو مجرد شكل من أشكال التعاطف الرمزي مع هذا الشعب، ونوع من التحدي لما يمارَس على هذا الشعب الشقيق من اعتداءات همجية سافرة على حقه في الوجود والاختلاف والحرية والكرامة.

ـ س: ما هي دوافعك الحقيقية لمساندة الجيش الكردي مع العلم أنك مغربية؟

ـ ج: مغربيتي لن تقف أبداً ضد التعبير عن مشاعري الإنسانية اتجاه الشعب الكوردي ولا ضد انتصاري لقيم العدالة والحرية. بل إن هويتي المغربية وبالتحديد هويتي الأمازيغية هي تلك المنظومة الثقافية أو ذاك الإطار الإنساني والأخلاقي  اللذان أستمد منهما كل مواقفي المشرفة نحو كل صاحب قضية عادلة.

ـ س: كشاعرة تجري فيك روح الرقة والمشاعر لماذا تتحلين بجرأة فريدة تتحدثين من خلالها على ممارسة الجنس والجسد، وتستعملين كلمات ينفر منها الكثير من الناس؟

ـ ج: اكتشفت في بداية مسيرتي الإبداعية والنضالية أن مشاعر الناس شبة ميتة وضمائرهم نائمة إزاء مآسي كل الذين لحقهم الظلم من جراء تواجدهم تحت رحمة دول عنصرية، ففكرت في أن أوظف، لإيقاظ هذه المشاعر وتلك الضمائر، من الكلمات ما يلفت انتباه الناس ويستدرجهم إلى المضامين الإنسانية الأصيلة لإبداعي، وكل ذلك وأنا أطمع في أن يتجاوزوا المعاني المباشرة لتلك الكلمات إلى الكشف عن العلاقة بينها والوقوف على المعاني الجديدة والمتولدة منها، لكن التكوين البسيط والفهم السطحي والانفعال المتسرع لكثير من القراء حال دون ذاك مما جعل خطابي الأدبي والفكري يذهب ضحية سوء فهم فظيع، بل وجعل شخصي يتعرض لكثير من الشتائم والاتهامات والتهديدات إما بالجلد أو بالتصفية الجسدية.

ـ س: هل فعلاً كنت متزوجة وطلقت وانحنيت لرغبة مناضل من أجل الأمازيغية، وهل فعلاً مارست معه الجنس على أساس أن تعطيه جرعة قوية للنضال؟

ـ ج: كل ما في الحكاية هو أني بعد طلاقي (الذي كان لأسباب عنصرية وسياسية) وبعد أن عشت في وحدة شبه قاتلة، شاء لي قدري أن أتعرف على مناضل أمازيغي كشف عن حبه لي، كما بدا أنه يقدر كل ما قدمته من تضحيات في سبيل القضية الأمازيغية، فوجدتها فرصة لأواصل حياتي الطبيعية بعد محنة الطلاق والتشريد وأمارس حقي في الحب وفي النضال مع رجل صرت أحبه بصدق، وارتأيت أن من واجبي أن أدعم نضاله في سبيل كرامة شعبنا أنا التي أهدرت لي الدولة المغربية العنصرية كل كرامة من خلال أجهزتها الاستخبارية وقضائها المرتشي الظالم.

ـ س: وهل هو زوج ثان لك أي في إطار علاقة داخل مؤسسة الزواج؟

ـ ج: بعد أكثر من 30 عاماً من الزواج الشرعي وعلى سنة الله ورسوله، وفي بيت وسرير رجل عربي مسلم، أجل بعد أكثر من ثلاثين عاماً كلها إخلاص وأمانة لم أنل منها سوى كل أشكال التعنيف والتحقير من الطبيعي أن تموت شهيتي في كل زواج من هذا النوع، بل من الحتمي أيضاً أن أمقت مؤسسة الزواج كما هي معروفة لدينا مقتاً شديداً، فالذكي هو الذي لا يلدغ من الجحر مرتين. إنني وبسبب كل المآسي الناتجة عن مؤسسة هشة كالزواج أطمح إلى أن تربط بين المرأة والرجل عندنا علاقة أقوى يكون أساسها هو الالتزام، التزام قد يكون شفاهياً أو كتابياً لا يهم، لكنه التزام يقويه الحب والاحترام وتبقى فيه الكرامة هي الغاية القصوى لطرفي العلاقة على حد سواء.

ـ س: كيف تستقبلين ردود المواطنين العنيفة التي تصنفك بأقبح النعوت؟

ـ ج: أستقبلها باستخفاف كبير، فأنا ذات نضج فكري وسمو روحاني يجعلانني أتمتع بمناعة هائلة ضد كل الأوبئة والأعاصير التي تهدد الحق في الفكر الحر والموقف الشجاع.

إنني، إذا ما نظرت إلى العصر الذي نعيشه الآن على أساس أنه شبيه بالعصور الوسطى التي مرت بها أوربا، لا أزداد إلا اعتزازاً بكل تلك النعوت على أساس أنها تشهد لي بكوني من الذين يكافحون الآن لإخراج مجتمعهم من كل عصر وسيط.

ـ س: هل تصريحاتك نوع من ثقافتك الحداثية لإبلاغ صوتك كشاعرة أمازيغية، وماذا تقصدين بشاعرة الضد؟

ـ ج: أعتبرني شاعرة حداثية لا يمكن لها أن تبدع إلا ذاك الإبداع الذي يعلن نفسه ضداً على كل ما سبقه، شاعرة مهمتها القطع الصارم مع كل تقليد والانطلاق نحو إنجاز كل ما هو أصيل وجديد سواء على مستوى الطرح الفكري لكثير من القضايا الشائكة أو على مستوى الإبداع الأدبي. فعلى المستويين معاً لا أراني أحترم ما يروج في مجتمعاتنا من أفكار رائجة بائدة، ولا أتقيد بالأشكال والأساليب الكتابية الموضوعة. بل أفكر حسب ما يمليه العقل وحده، كما أبدع من النصوص الأدبية ما يلائم روحي الجريحة وضميري المتمرد.
 
ـ س: هل لك جمهور عريض يتابع قراءاتك الشعرية؟

ـ ج: بفضل أصالتي الفكرية والأدبية التي فاجأت بها المتلقي الوطني والإقليمي بل والعالمي، وبفضل الأساليب التي اتبعتها في الكتابة وفي الترويج لخطابي الأدبي والفكري أراني من الشاعرات المغربيات صاحبات الانتشار الواسع والجمهور العريض.  

ـ س: ألا تتخوفين من انصراف جمهورك بعد هذه التصريحات التي اعتبرها البعض خجولة ومخلة بالأخلاق والآداب العامة؟

ـ ج: هناك حقيقة جميلة أكتشفها كل يوم وتسعدني كثيراً وهي أنه كلما انصرف قراء كثيرون عني أقبل قراء آخرون بنفس العدد مع فارق جميل طبعاً وهو كون هؤلاء القراء الجدد هم ذاك النوع الذي بحثت عنه طويلاً، والذي يتميز عن سابقه بتفاعله الذكي والجاد مع مختلف كتاباتي ومواقفي وتصريحاتي، والحال هذه لا أعتقد أن كاتبة مثلي خاصة إذا استمرت في إدهاش الناس دائماً بكل ما هو عقلاني مستفز ستعلن يوماً ما عن خساراتها وكساد سلعتها.