الأحد، سبتمبر 07، 2014

مليكة مزان : الاعتداء على أعراض النساء خلال أيما حرب سلوك لا يدل سوى على همجية أصحابه



(حوار أجراه الأستاذ هيمن ملازادة صحفي كوردي ومدير قناة رووداو الكوردية في لندن ببريطانيا)

نص الحوار:

ـ س: السيدة مليکة مزان.. لأننا نفتخر بأرائك الإنسانية والسياسية تجاه العالم، وبأرائك الجريئة تجاه الكورد بشكل خاص، نرحب بک ونقدم إليک احترامنا وحبنا، وبدءاً نود أن تعرَفينا بنفسک وتحكي لنا عن حیاتک، فماذا يمكنك قوله لنا بهذا الصدد؟

ـ ج: مليكة مزان إنسانة وجدت نفسها في مستنقع وطني وإقليمي وعالمي مليء بالتماسيح وبالتعفنات المختلفة، وارتأت، انسجاماً مع ضميرها وثقافتها الأمازيغية السمحة، أن تنخرط في مهمة تنظيف جريئة وأصيلة لكنها قد تكون جد مكلفة، ولعل في ذلك تعريفاً مكثفاً لشخص مليكة مزان ولحياتها ومسارها النضالي .

ـ س: الأمازیغ کانوا دائماً تحت العنف والظلم من قبل نظام العربی الديکتاتوری فی المنطقة، کما حدث للكورد فی جنوب کوردستان من قبل نظام الديکتاتوري العربی سابقاً، هل هذا هو السبب لکي تحبی الآمة الکوردیة؟

ـ ج: ليس التشابه الكبير في المحنة بين الشعبين شرطاً ضرورياً لأحب الأمة الكوردية وبهذا الشكل الصارخ الذي بلغ حد كل جرأة وجنون. تكفي الرابطة الإنسانية ومشاعرها النبيلة كي أعلن تضامني اللامشروط مع الشعب الكوردي، بل وكل شعب آخر في الشرق الأوسط يمر بنفس المحنة، محنة الاضطهاد والتقتيل والتهجير من طرف القوى الهمجية التي ابتليت بها المنطقة.

ـ س: أنت، کامرأة شاعرة وروائية، ما هی نظرتک إلى سکوت الدول العربیة على الاعتداء على نساء الكورد الإیزیدیات فی جنوب كوردستان من خلال اغتصابهن؟

ـ ج: الاعتداء على النساء عامة بمناسبة أية حرب جريمة يدينها الضمير الإنساني ولا يغفرها أحد، وهي تدل على قمة الهمجية التي يتصف بها الذين يخوضون تلك الحرب مهما كانت أهدافها نبيلة، لأن النبل كل لا يتجزأ، والملاحظ على كل من الجيش الكوردي والجيش الإسرائيلي مثلاً أنه لم يسبق لأي منهما، حسب علمي المتواضع، أن مارسا أيا من هذه الجرائم الفظيعة ذات التداعيات الخطيرة، ولعل سكوت الدول العربية على هكذا جريمة هو مناسبة أخرى للوقوف على الوجه الحقيقي لسياسة هذه الدول واختياراتها، وكذا لثقافات وذهنية شعوبها.

ـ س: من الواضح أنك مهددة بسبب آرائك المختلفة، لکن هل أنت مهددة من قبل السلطة في بلادك، أم من قبل المنتقدین لك، أم من قبل أناس عادیین، أم من قبل إسلاميين؟

ـ ج : إذا ما قدر لي أن أسقط شهيدة مواقفي وتصريحاتي فكما ستكون هناك أكثر من جهة ستنفي تورطها، ستكون هناك جهات أخرى ستفتخر بأنها صاحب ذلك "الإنجاز العظيم" المتمثل في إبادة عقل آخر من تلك العقول الشجاعة في منطقتنا والتي لن ترضى أبدا بأن تصمت على أي نوع من أنواع التخلف والهمجية.  شخصياً لا أدري بالضبط من أين ستنطلق الرصاصة الأولى، وذلك بالنظر إلى كثرة أعداء الله والكرامة الإنسانية الذين أصب عليهم لعناتي وأتوجه إليهم بانتقاداتي.

ـ س: إذا کنت قد فکرت فی مغادرة بلادک فهل ستأتین إلی كوردستان؟

ـ ج: شكراً للشعب الكوردي على كل دعوات الاستضافة بل واللجوء التي توصلت بها، ولكن أعتقد أنه من الشجاعة والإيمان أن ألزم حدود بلدي، وأواجه قدري. فليس هناك بقعة واحدة في هذا العالم ستكون آمنة لأمثالي، كما أن الموت سيبقى موتاً واحداً لا يتكرر، سواء كان بسبب رصاصة، أو سقوطاً في بئر، أو على فراش المرض، فلماذا الفرار إذاً؟

بل السؤال هو:

هل تفر المقاتلات الكورديات من جبهات القتال أم أنهن يمضين إليها بقلوب اللبؤات المؤمنات الصامدات؟ لا سيدي، لن أفر من بلدي، لن أكون أقل استحقاقاً لحياتي من هؤلاء النساء الرائعات.

ـ س: کم هو عدد إصداراتک حتی الآن؟

ـ ج: بل قل: كم هو عدد جراحاتي وعدد القضايا التي أدافع عنها مجتمعة ودفعة واحدة؟ ويبقى على القراء، بعد ذلك، أن يعدوا تلك الإصدارات.

ـ س: أنت معروفة بأنک شاعرة لماذا، إذاً ، تخوضین فی السیاسة؟ هل لأن ذلک جزء من مهام الشعراء والمثقفين؟

ـ ج: لا يمكن عزل المثقفين عما يجري حولهم حتى ولو كانوا داخل سجن، بل إن المثقفين الذين لا يخوضون في السياسة من خلال توجيه النقد للمسؤولين عن سعادة هذا المجتمع، مساهمين بذلك في تحسين أحواله، لا يمكن أن نقول عنهم سوى بأنهم مثقفون خونة.

ـ س: هناک شعراء کالجواهري عبروا عن حبهم لکوردستان وهـم محبوبون لدی الكورد، هل تنوین أن تصدری كتبا عن القضية الكوردية؟

ـ ج: لقد حرصت في إنجازاتي السابقة على أن يكون كل ما أكتبه، من رواية وشعر، وكل ما أدلي به من تصريحات صحافية، إنتاجا أدبيا وفكريا إنسانيا شاملا لا يقصي أحدا، ولذلك مطمئنة أنا إلى أن الشعب الكوردي سيجد نفسه في كل ما أقوم به، فكما سيجد فيه آلامه وأحلامه، سيجد فيه أيضا ثورته وانتصاره.

ـ س: برأیک ما هی أوجە التشابه بین الکورد والأمازیغ؟ وما هی نقاط الاختلاف بين الشعبين؟

ـ ج: هما شعبان يلتقيان في نوع المحنة وفي درجة المعاناة، لكنهما يختلفان في الطرق التي سلكها كل واحد منهما كي يرفع عنه كل أشكال القهر والظلم التي مورست ضده. وأعتقد أنهما صارا مؤخراً وبالتدريج يلتقيان في كل شيء بما في ذلك المقاومة المسلحة، وأقصد هنا المقاومة المسلحة لشعبنا في كل من ليبيا والجزائر ومالي.

ـ س: على مر التاریخ وعلى مدى کل الکوارث التي حصلت للشعب الكوردي، کانت الحكومات العربیة تفضل الصمت، خاصة فی الفترة الأخیرة بینما الغرب کان أول من ساعد الكورد، برأیک ما هو السبب، هل هو الإسلام أم العروبة أم هناك سبب آخر؟

ـ ج: من عادة العرب والمسلمين وبسبب من ثقافتهم الإقصائية والمنغلقة، أن يكونوا آخر من يستنكر الجرائم التي ترتكب في حق غيرهم، وكأنهم مصابون ببلادة الإحساس وعمى القلب والضمير. إنكَ لا تراهم يتكلمون ويحتجون إلا إذا حصل مس ما بما يملكون أو يقدسون، أما ممتلكات غيرهم ومقدسات ذلك الغير من العقائد الدينية مثلاً، أو من إرث مادي أو رمزي، أو من أعراض، فلتذهب وأهلها إلى الجحيم.

ـ س: ما هی نظرتک للنساء الكورديات، هل لدیک أية معرفة عن نساء الكورد اللواتی هن فی قوات البیشمرکة؟

ـ ج: تأثرت كثيراً وأنا أشاهد إحداهن على شبكة الأنترنت وهي تتحدث بشجاعة لبؤة عن استعدادها لمقاتلة جهاديي داعش وجهاً لوجه، مع علمها المسبق بهمجية داعش، وما أدراك ما همجية داعش. يومها احتقرت نفسي وبدت لي صغيرة جدا أمام شجاعة هكذا امرأة كوردية.

ـ س: فی تاریخ العرب النساء کن دائماً يعاملن معاملة سيئة، کما هو الحال الآن في تنظیم الدولة الإسلامیة فی العراق والشام المعروف بـ "داعش" الذی يمارس جهاد النکاح ویبیع نساء الكورد، کیف تنظرین إلی هذه المسألة؟

ـ ج: عندنا في المغرب مثل شعبي يقول: "وعادت حليمة لعادتها القديمة"، هي داعش إذاً، بدل القطع مع الماضي الأسود للدعوة الإسلامية ومحاولة تبشير الناس بإسلام رحيم كريم حتى يدخلوا فيه أفواجاً، ومن تلقاء أنفسهم بل وطمعاً في رحمته وخيراته، بدل ذلك كله ها هي تعود إلى إحياء ذاك الماضي وكأنها لا تجد من وسيلة لإقناع الناس بصلاحية الإسلام لهم إلا بقطع رؤوسهم أو باضطهادهم أو باغتصاب نسائهم أو بتهجيرهم عن أرض أجدادهم. مثل هذه الإساءات الفظيعة والغبية للإسلام لا يمكن لأي أحد أن يغفرها لهؤلاء الهمجيين الجدد، هؤلاء الذين نتمنى، من صميم قلوبنا الإنسانية المكلومة، أن يستيقظ ضميرهم بسرعة ليكفوا الناس جميعاً شر أعمالهم قبل أن يستفحل خطرهم ويتفاقم عدد ضحاياهم.