الاثنين، نوفمبر 03، 2014

أزمة عقول

مقال بقلم الكاتبة المغربية الفيسبوكية  حسناء مطر Hasnae Matar

هذا المساء قرأت على صحيفة "هبة بريس" الإلكترونية مقالا كان عنوانه كالتالي"مليكة مزان تعترف ب "مضاجعة" عصيد و تفضح أسرار ما جمعهما بغرفة النوم !!"

كان المقال في أوله عبارة عن تحليل يعتقد كاتبه أنه قد حلل وبعمق قصيدة للشاعرة مليكة مزان عنونتها بالتالي "رسالة مفتوحة إلى أحمد عصيد" .. ، والأهم من هذا وجدت تعليقات كثيرة على هذا المقال كلها سب وشتم ، بل ودعوة غاضبة إلى رجم وقتل هذه الشاعرة الأمازيغية .. حيث أن بعض الأمازيغ يتبرؤون منها ومن انتمائها لهم .. بل وهناك أيضا إجماع على أن مليكة مزان ملحدة وكافرة ...و.و.و.و..!!

الجميل فينا ، نحن الشعوب العربية ، أننا أسياد عقليات سطحية .. طفيفة الفهم .. غبية الإدراك .. وقد أثبت تاريخنا أن اندفاعنا  الانفعلالي التخلفي جعلنا نفقد رموز تراثنا وأفحل العقول ، أذكر على سبيل المثال لا الحصر فيلسوف المتصوفين "الحلاج" الذي صلب وقتل بأبشع الطرق بفتوى من الفقهاء الدجالين وسطحية باهتة في فهم عمق تصوفه من طرف العامة ، ونفس الشيء يمكنني قوله عن الشيخ المقتول وأقصد هنا السهروردي الذي اختلف البعض في الطريقة التي قتل بها ، فمنهم من قال أنه منع عن الأكل والشرب حتى مات ، وطائفة تقول أنه أحرق ، وأخرى قالت أنه قتل بالسيف  .. لكنه عموما وعلى كل حال لقد رمينا بفيلسوف إشراقي تحت التراب ودفنّا ثروة لا تقدر بثمن جهلا منا وبسبب الظلام الذي نسبح فيه والاندفاع السريع في إسقاط أحكام دون فهم ولا دراية .

لا أحاول أبدا أن أقارن بين أسطورتين عظيمتين كالحلاج والسهروردي بمليكة مزان رغم أني أحترم هذه الأخيرة ، و لا داعي أحمله معي لكي أعارضها أو أؤيدها ، لكني فقط أود أن أشير إلى هذه العصبية في التفكير التي ورثناها عن أسلافنا  .. لماذا نكرر أخطاء التاريخ ؟ لماذا لا نقبل بالاختلاف ؟ لماذا نربط كل تفكير بما هو عقائدي وديني ، ونحن أنفسنا نلجأ في الأخير إلى إصدار أحكام طائشة باسم الدين وهو برئ منها كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب  ..من يعطي لنا الحق أو ذاك في تكفير الآخر المختلف وفي الحكم على حياته بفقدان الصلاحية في العيش فقط لأنه لا يفكر مثلنا أو بالأحرى وبأسلوب أوضح فقط لأننا لا نملك القدرة على فهم تفكيره العميق ولا نجيد طريقته النابغة في التفكير ، ونمتهن فقط القدرة على تكفيره والرقص على وتر الخطابات الدينية الرنانة التي نسمعها من شيوخ الضلال  .

يا سادتي  ..

وجدت نفسي مرغمة بأن أقول بضرورة الفهم والاستيعاب للنصوص الأدبية والفلسفية قبل إصدار أي حكم  ..فكم من مقاصد فهمت خطأ ، وأفكار همشت لأننا لم نرق إلى مستوى فهمها .. سأذكر هنا عمر الخيام .. وأنا متأكدة لو أن غربيا مر من هنا وقرأ اسم عمر الخيام لذهب به عقله مباشرة إلى كأس خمر شهية .. ولا أستبعد أبدا أن يحصل نفس الأمر مع شرقي .. فنحن أتباع الغرب في كل إشارة .. الخيام هذا كما نعلم شاعر وفيلسوف كوني والذي عرف بتخصصه في الرياضيات والفلك والتاريخ والفقه واللغة ، ونعت بالسكير العربيد وبالملحد الزنديق .. لأنه عاش قلق التساؤل ووصل إلى درجة الإيمان العقلي لا الإيمان الساذج المتوارث ، ولأن رباعياته تضج بدعوته للخمر ولارتشافها .. هؤلاء الذين فهموا الخمر عند الخيام بأنه ذلك الخمر المركب من الكحول الإيثيلي .. أسائلهم بأي منطق تقرأون ما شئتم كيفما شئتم .. من أدراكم بأن الخمر الخيامية أو النواسية هي نفسها الخمر في أذهانكم المحدودة ؟ وهنا سأتحدث عن الخمر التي تنتج عن المحبة الإلهية هل تعرفون شيئا عنها وعن درجة الإيمان التي يصلها المتصوف والتي بلغها الخيام بفلسفته الصوفية .. عذرا منك أيتها العقول الملتحية بالسراب لا أجد لك عذرا في اتهام من تريدين بما تريدين .. فالفكر الحقيقي لا ينتهي مهما كدتم وتعبتم ..

لن أطيل أكثر .. 
فالحديث في هذا الموضوع ليس سوى حسرات وتحسر على ماض بئيس و حاضر أبأس ومستقبل أراه يشرب من البؤسين بحارا  .. سأترككم مع سطور من قصيدة مليكة مزان .. فأنا بحق أحببتها وأتشرف بنشرها عندي .. وللأدب حياة  !!

نص القصيدة  :

عزيزي .. قد يحصل أن يعاودكَ الحنين إلى الجسد ،

إلى مجرد جسدٍ ،

قد يحصلُ .

عزيزي .. إن حصل فتعالَ  !

تعال لأحبكَ بقلب أقلَّ ،

تعال لتقبلني بشفتين تعانيان من ضعف في المواطنة ، من خيانة في التواصل !

تعال ، سأعصر لك الجسدَ ..

حتى آخر قطرة حب ،

حتى آخر قطرة سم !

تعالَ ،

لن نشيخ وحدنا الليلة ،

كل الأشياء الجميلة ستشيخ معنا ..

حتى الوطنُ ،

حتى الثورة ُ ،

حتى الفـنّ ُ ،

حتى الحـب  !

آهاً .. كم هو مؤلم أن يشيخ معنا الحب  !

أجل ، الحب ، ذاك الذي وحده كان يشعل لديَّ فتيلَ الكتابة !

...
....